Monday, April 19, 2010

ساسة يهينون وشعب يرضى الإهانة
حسن خليل
سأل صحافي مخضرم نائباً مميّزاً في كتلة كبيرة تدّعي تبنّي النسبية بقوّة عن إمكان اعتمادها في الانتخابات النيابية سنة 13، بعد إفشالها في البلديات، فأجابه بـ«الإيجاب»، ولكن سنة 2213 لا 2013. حضرة المواطن الكريم: عذراً للتوجّه إليك هذه المرة بدل الضرب دوماً في سلطوية «أسياد القوم». فالمعلوم أن الساسة في لبنان يقمعون معارضيهم ويحتقرون مناصريهم. ولكن لماذا تستنشق الإهانة وتقبل؟
أحد جهابذة التشريع يقول إن بعض التشريعات العصرية غير ملائمة للبنان بسبب «تكوينه الاجتماعي»، ليضيف إليه بعض الدُهاة السياسيين، منهم رئيس لجنة الإدارة والعدل، المهندس الأول لتذويب «النسبية» في اللجان النيابية، أن النسبية معقّدة ويصعب فهمها من المواطن العادي، وهي مناسبة لسويسرا وأوروبا فقط، ولذلك يجب عدم اعتمادها، أو على الأقل تأجيلها إلى حين شرحها للمواطن! (هل يذكر عدم إلغاء الطائفية السياسية إلى أن تُلغى من النفوس بعد ألف عام قبل النصوص؟)، وإلا فلماذا لم تناقش في الهيئة العامة ليُفضح أمر مَن يؤيّدها أو يعارضها علناً.
مَن قال إن المواطن يجب أن يفهم كل الآليات التقنية الدستورية؟ هل المطلوب أن يفهم في هندسة الكمبيوتر كي يستعمله؟ أليس واجبه الاقتراع وواجب الدولة الفرز حسب القانون؟
هؤلاء السياسيون يهينونك مباشرة في وجهك كأنك جاهل، مقارنة بعدوك الإسرائيلي وبأفراد قبائل شمّر والدليم في العراق.
ساسة لبنان الذي صدّر أهم الكفاءات البشرية المنتشرة في العالم، يقولون للناخبين إنهم متخلّفون ولا يفقهون النسبية.
أنت أيها المواطن تُهان في وجهك وأنت تعلم أنهم بعدم اعتمادهم النسبية يعيدون إنتاج أنفسهم وأنت مَن تعيدهم باقتيادك الجاهل إلى الانتخاب، وإلا فكيف تُفسَّر نسبة الاقتراع التي تفوق 60%، وبعدها تشكوهم...
يدافعون بشراسة عن منطقهم أن النسبية تتناقض مع الإصلاح، لأن في لبنان «عادات وتقاليد» و«عائلات». نعم ما زالوا يجعلونك تتعلّق بتلك الممارسات التي تلغيك كإنسان يتحرّر من «تخلّف» العائلية التي لا تختلف عن «العشائرية» أو «المناطقية». مرفوضٌ أن تكون حراً من هذا التخلّف وأنت ترضى الإهانة.
يقولون إن التصويت البلدي يجب أن يكون حسب الإقامة لا حسب القيد في لوائح الشطب، ولذلك من الصعب تطبيق النسبية. ما دخل هذا بذاك؟ الواضح أنهم إمّا لا يدرون عدم وجود التناقض، وهذه كارثة، أو أنهم يدرون ويضلّلونك وأنت ترضى الإهانة. والأكيد أنهم يدرون.
لماذا يا حضرة المواطن ترضى بأن تذهب إلى صندوق اقتراع لانتخاب «مختار» كي تُهان لاحقاً باسترضائه ليصدر لك لكل معاملة «شهادة مختار» ويوقّع على صورتين شمسيّتين، لتضم إليها «براءة ذمّة» وإخراج قيد فردياً وعائلياً وسجلاً عدلياً وتواقيع دوائر عقارية ومالية... وتصديق على هذه وتلك وأهمها طابع الـ1000 ليرة. ماذا حلّ ببطاقة الهوية التي يجب أن تسهّل حياتك؟
هذه هي دولتك التي تشكو منها، ولكنك الأداة الأساسية والرئيسية لتركيبتها. البعض لا يؤيّد لومك لأنك فاقد الحيلة ولا أمر لك، وأسير النسيج المذهبي الذي يقود نزعتك الخائفة. حسناً، فلنتحدث مذهبياً. هل السنّي في وضع أفضل إذا ما انتُهكت كرامته بتدمير دولته بحجة القلق من محاولة الطوائف الأخرى تقزيم امتيازاته فيصبح فؤاد السنيورة «زعيماً» بعد أن كان «عدوّ الشعب»؟
وهل الشيعي حاضن المقاومة وعصبها أفضل إذا قويت هي واهترأت الدولة ومجتمعها حصانته وحصانتها الأساسية؟ أليس احتقار المواطن في عيشه اليومي إهانة كما انتهاك إسرائيل للأرض؟
هل مستقبل الدروز في جبلهم وواديهم يبقى أفضل بزعامتهم التاريخية حتى لو أن واقعهم الإنمائي والاجتماعي لم يتغيّر منذ خمسين عاماً؟ هل معقول أن لا يسأل المواطن الدرزي الحرّ عن ذلك، أم هو بات مخدّراً خوفاً من الاندثار؟
وأخيراً، أليس غريباً أمر المسيحيين الذين ينتقلون من حالة انتحارية إلى أخرى وواقعهم السياسي والاجتماعي يسوء باستمرار، فينبري مَن يحاول إعادة ترويج «الكانتون» أو «الحضارة المتميّزة» «خوفاً من المقاومة»، بينما زعاماتهم متغاضية عن كل فساد الإدارة والبلديات ومفاصل الدولة؟
ألم تقتنعوا بأن ساستكم لا يمانعون هجرتكم ما دمتم تحوّلون أموالاً لدعم الودائع، ومَن يبق منكم في لبنان فـ«ليخرس»، وليتحوّل إلى الاهتمام بالرياضة، بما فيها «تهريجة» مباراة كرة القدم الأخيرة.
ألم تسَلّموا بأن سياسيّي لبنان متحدّون عليكم، ولكن هذا لا يبرّئكم. تقاسموا مال الدولة والآن يركّبون دَيْناً على أولادكم وأحفادكم بلغ 15 ألف دولار على كل طفل مجهول مستقبله في بلد «الأدغال». لذلك، وبناءً على ما قيل عنكم، لن تُعطَوا البراءة إلى أن يأتي يوم تصبحون فيه أحراراً، فلا تتعدى نسبة الاقتراع أكثر من 10%. غداً الانتخابات البلدية وبعدها لكل حادثٍ حديث.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment