Friday, April 23, 2010

مسرح الرحابنة في الانتخابات البلدية
حين تتألّف اللوائح للانتخابات النيابية، يقول الزعماء إنّ المعيار الأساسيّ لاختيار المرشحين هو حيثيّتهم الشعبية في مناطقهم، أو الإضافة التي يقدمونها إلى تيّاراتهم السياسية. الانتخابات البلدية اليوم تفضح هؤلاء الذين اختيروا العام الماضي، إذ تظهر أن المعيار الأساسي لاختيار معظمهم كان عدم تمتّعهم بأيّ حيثيّة شعبيّة جديّة
غسان سعود
النائب ميشال المر الذي بات مقيماً في عمارة شلهوب، يكاد هذه الأيام لا ينام، حتى إنّه لا يفارق ماكينته الانتخابية لحظة. شيخ بتغرين الذي تجاوز الثمانية والسبعين عاماً يعيش أحلى أيامه. فللمعارك الرئاسية عند رجال السياسة التقليديين نكهتها، ولمعارك النيابة نكهتها أيضاً، أمّا أطيب النكهات المرّة، فهي حتماً للانتخابات البلدية. في هذه الفترة، يتحول أبو الياس إلى مختار المخاتير، يؤدّي دور الزعماء في مسرح الرحابنة كاملاً، حتى لو لم يرتدِ الشروال والطربوش. يفتح بابه لمن معه ومن عليه، تتحرك يداه بخفة بين أذنيه متناقلتين ثلاثة هواتف خلوية حتى لا يعتب متني لأن دولته لم يجب. ومن قرية إلى قرية، يراجع في رأسه أسماء الذين مروا بمكتبه خلال خمسين عاماً طالبين الخدمات، يتذكر قبل أسبوع من موعد الحساب ما له عند الناس، يسأل عمن حضر ليُحضر من تأخّر «وصوله». وبصراحة مطلقة يذكر بعض الزوّار أنّ اللحم على أكتافهم من خيره، وينبّه البعض الآخر إلى أن المر فائز حكماً، لكنه يعشق اتساع فارق الأرقام بينه وبين خصومه.
قبل أن يغفو، ترتسم ابتسامة زهو على وجه أبو الياس. يرى إمارته البتغرينية ثابتة في تأييدها له ممثلاً بابنته ميرنا المر ـــــ رئيسة اتحاد بلديات المتن، يطبخ هو لائحتها وتعلن من دارته، ومعها بضع بلدات مجاورة. يريحه ارتياح أزلامه في ساحل المتن وانقسام العونيين والكتائب من حوله. ويغمض عينيه ليتأمل كيف ستعلو الأصوات فور إعلان النتائج من نهر بيروت إلى نهر الكلب، هاتفةً: لبيك أبو الياس! لبيك! وكيف سينزل من سيارته ويتوجه على أكتاف المواطنين صوب المنصة ليردّد بدوره: أنا الزعيم، الزعيم. يومها أيضاً، ستنتفخ صدور البتغرينيين ويحجّون إلى دير مار الياس في بلدة ضهور الشوير ليشكروا الرب الذي أعطاهم نعمة أن يكون أبو الياس والياس من عندهم.
يؤدّي أبو الياس دور النائب التقليدي كاملاً، ويكاد يكون وحيداً على المسرح لولا النائب وليد جنبلاط، الذي يتميز عن المر بقطعه كل طرق التنافس الانتخابي في الشوف، حيث تعلن المجالس البلدية فائزة فوراً من صالون قصره في المختارة. لكنّ ذلك لا يعني أن النواب الجدد لا يحلمون بأن يصبحوا في يوم من الأيام على صورة المر ومثاله. بعض هؤلاء يخطو أولى خطواته على طريق المر بنجاح، بعضهم الآخر يتعثر والبعض طريقه طويل.
عكار
يتذكّر المرّ قبل أسبوع من موعد الحساب ما له عند الناس، يسأل عمّن حضر ليُحضر من تأخّر وصوله
النائب هادي حبيش جمع في صالون منزله في بلدة القبيات العونيين والقوات، ثبّت قدميه في الأرض وصارحهم قائلاً إنه من موقعه كنائب عن البلدة يمد يديه لكل المواطنين ويريد الاتفاق معهم على مجلس بلدي يتمثل فيه الجميع. الاتصالات مستمرة، ويفترض أن يعقد اجتماع يمهد لقرار الاتفاق أو الافتراق يوم الاثنين المقبل. ولكن في كل الحالات، يهيئ حبيش نفسه لمعركة يعد أن فوزه فيها سيكون مدوّياً. ولا تنتهي القصة هنا بالنسبة إلى عضو كتلة تيار المستقبل، فهو يتنقّل من بلدة إلى أخرى في عكار، مستفيداً من الانتخابات البلدية لخلق حالة خاصّة به في هذه البلدات. فالناس اليوم يفتحون صالوناتهم ترحيباً بمن يأتي حاملاً الدعم سواء المعنوي أو المادي، ولا حاجة إلى التشكيك في أن من معه نائب المنطقة أقوى ممّن يخاصم صاحب السعادة.
حبيش نموذج ناجح في السير على طريق المر. أما زميله النائب رياض رحّال، فملامحه بعيدة عن ملامح أبو الياس، رغم أرثوذوكسيتهما: يجتهد رحال ليفوز من كل الانتخابات البلدية بمختار في بلدته الشيخ محمد. وكان قد سبق له أن مد يده إلى عائلات بلدته، مؤكّداً ترحيبه بالتوافق، ولكن سرعان ما سقط اقتراحه ليكتفي من كل الانتخابات بدعم معركة المختار حميد طعمة، علماً بأن حبيش، حتى في البلدات المجاورة لبلدة رحال مثل بلدتي النفيسة ومشحا، يجتهد ليدخل إلى المجلس البلدي أعضاءً يخصّونه، مع العلم بأن معظم نواب عكار، باستنثاء النائب خالد ضاهر، أقرب إلى نموذج رحّال منهم إلى نموذج حبيش.
المتن
في المتن، اجتهد المر طوال العام الماضي لتقليص حجم النائب إبراهيم كنعان، الأقرب إليه لناحية الحضور الشعبي. ورغم ذلك يصر كنعان على رفض الاتفاق مع رئيس المجلس البلدي في بلدته الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ السد أنطوان جبارة، الأمر الذي يؤخر حتى الآن اتفاق عون ـــــ المر. أما النواب الآخرون، فحالهم في قراهم تُبكي. النائب نبيل نقولا عجز مع التيار الوطني الحر عن تأليف لائحة في بلدته، جل الديب ـــــ بقنايا، فذهب إلى رئيس المجلس البلدي إدوار زرد أبو جودة الذي عمل إلى جانب المر وضد نقولا في الانتخابات النيابية الأخيرة ليفاوضه، مقدماً كل دعم التيار الذي يمثل القوة الأولى في جل الديب للائحة التي رأسها أبو جودة، في مقابل حصول التيار على ثمانية مقاعد ومختارين. لكن تبيّن أخيراً أن نقولا وافق على الذهاب في توافق مع «الريّس» المحسوب على المر، مقابل حصوله على أربعة مقاعد فقط، الأمر الذي أثار غضب بعض العونيين ودفعهم إلى تأليف لائحة ضد اللائحة التي يدعمها نائب البلدة. وفي بعبدات ـــــ بلدة النائب سليم سلهب ـــــ اكتفى الأخير بمباركة لائحة توافقية ترأسها عماد لبكي القريب من القوات اللبنانية، مسمّياً مرشح عائلته ومشجعاً العونيين على المضي في التوافق. أما النائب غسان مخيبر، فقد شاهد أنّ الائتلاف في بلدته يكاد يشمل الجميع باستثنائه. والمفارقة المتنية ـــــ العونية أن أكثر النواب هدوءاً وصداقةً مع النائب ميشال المر، إدغار معلوف، رفض التوافق الدونيِّ في بلدته كفرعقاب (التي لا يملك فيها منزلاً) مع مرشح للمر، يذهب بنتيجته معظم أعضاء المجلس البلدي إلى المر وألّف معلوف لائحة يشرف بنفسه على معركتها.
البترون
النائب بطرس حرب يلعب في تنورين (البترون) لعبة المر بشكل محليّ أكثر. هو أيضاً لا يفوّت مناسبة اجتماعية أو تربوية أو رياضية، يحب الأفراح على قدر محبته للأحزان، يعنيه توظيف أولاد تنورين حيثما تيسّر، ويصغي بالشغف نفسه سواء كان محدثه يروي عن الرقص الشرقي أو عن كرة المضرب. وذراعاه تتسعان لضمّ الصغير والكبير ما إن يجتازان بوابة منزله في تنورين، حيث يقضي غالباً نهاية الأسبوع. حرب في الأساس يؤيد التوافق، لكن بشرط أن يكون صاحب رأي مؤثر جداً في اختيار أهل هذا التوافق، إضافةً إلى الرمزية الكبيرة التي يوليها لالتقاط صورة له مع اللائحة الفائزة قبيل الانتخابات، ليقطع بذلك باكراً الطريق على القيل والقال، ويغمض عينيه مستمتعاً بالهتاف: لبيك يا شيخنا! لبيك! والجدير ذكره أن حرب اليوم هو الرجل الأقوى في عائلات تنورين الأساسية (حرب وطربيه ويونس وداغر والهاشم ومطر ورعد ومراد وغوش). وبالتالي، فإن صوت الهتاف في الصناديق هذه المرة سيكون أعلى: لبيك يا شيخنا! لبيك!
البقاع الغربي
أكثر النواب زغردة على المنابر يبذل جهداً جباراً لتزكية مختار
زميل حرب في التطلع إلى الرئاسة الأولى النائب روبير غانم يكاد يكون النائب البقاعي الوحيد الذي يشبه المر في ملاحقة المعجبين به من بلدة إلى أخرى، ليُثمِّر إعجابهم في صناديق الاقتراع أعضاء مجالس بلدية، يخدمون، عبر مواقعهم في المجلس، المواطنين، تمهيداً لرد خدمة إيصالهم إلى غانم في يوم الانتخابات النيابية. وفي بلدته صغبين، يجتهد غانم اليوم لتركيب لائحة توافقية، لكن محاولاته تصطدم حتى الآن بمعارضة قوية. وهو يخرج من بلدته ليحاول التوفيق بين أنصاره في معظم البلدات المسيحية، بينما يرفع النائب في كتلة المستقبل أمين وهبة يديه، حتى في بلدته لبّايا في البقاع الغربي، مستسلماً متأملاً من بعيد اللائحة التوافقية التي تألّفت من حزب الله (6 أعضاء) وحركة أمل (5 أعضاء) والحزب الشيوعي (4 أعضاء) من دون استشارته شكلياً على الأقل. حال وهبة ليست أفضل بكثير من حالة النائب علي عمار. الأخير كان لديه مرشح لرئاسة المجلس البلدي في بلدته ـــــ برج البراجنة ـــــ لكن قيادة حزب الله اختارت مرشحاً آخر، فرضي عمّار وبارك.
كسروان
ماذا عن كسروان؟ هناك أيضاً للمر نظراء وللإقطاع صولات. النائب السابق منصور البون مُريّ بامتياز، سواء في اختبائه تحت عباءة رئيس الجمهورية (أو صهره) أو في تنقّله مساءً من سجن إلى آخر، متوسطاً للموقوفين من ناخبيه، وصباحاً من دائرة حكومية إلى أخرى لتسيير شؤون هؤلاء الناخبين. البون اليوم غير مرتاح للأجواء التوافقية العامّة، وخصوصاً أن ماكينة التيار الوطني الحر التي استفادت من ديناميّة عضو لجنة البلديات رولان خوري لا تكلّ أو تملّ في إصرارها على تقليص نفوذه في البلديات. من هنا، هو لا يتوقع مساء 2 أيار سماع الكثير من الهتاف: لبيك خليفة طانيوس شاهين! لبيك! وحتى في مدينة جونية التي يعدّها البون معقله، استدرك في اللحظة الأخيرة أن الائتلاف يكاد يركب من دونه فدخله مضحّياً بالكثير من حجمه المفترض، علماً بأن بعض أعضاء ماكينته الانتخابية يترددون بشكل شبه ليلي إلى دير مار جرجس في ساحل علما، حيث مقر ماكينة رئيس البلدية الحالي جوان حبيش الذي يقال إنه اتفق مع جوزف شاهين وملحم عضيمي على أن يتداول كل منهما الرئاسة ثلاث سنوات. أما زميل البون في النيابة السابقة، فريد هيكل الخازن، فنفوذه هو الآخر آخذ في الانحسار، وهو يخوض معارك مباشرة وجدية في غسطا وحراجل فقط. في المقابل يبدو نواب تكتل التغيير والإصلاح الكسروانيون مثيرين للغرابة، فأكثرهم بلاغة سياسية، النائب نعمة الله أبي نصر، يعجز عن رعاية تأليف لائحة في بلدته شننعير لأن آل أبي زيد الذين يمثّلون أكبر عائلة وقوة ناخبة في البلدة يصرّون على تأليف اللائحة بأنفسهم. أما وجه التكتل الأنثوي، النائبة جيلبرت زوين، فشاهدت العونيين يؤلّفون اللائحة سواء في غزير أو يحشوش، حيث تتمتع بالنفوذ من دون أن يكون لها موقف جدي في التشكيلتين. في المقابل، فإن النائب الذي يعرفه معظم ناخبيه كطبيب أكثر مما يعرفونه كسياسي، يوسف خليل، يؤدّي في بلدتي ميروبا وفاريا دور المايسترو في تأليف اللوائح البرتقالية. حاله في ذلك قريبة من حال النائب فريد الياس الخازن، الذي يتحرك برشاقة بعيداً عن الأضواء واجتماعات الصالونات ليزكّي عند رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رؤساء مجالس بلدية معينين.
يبقى أن لا أحد يوازي أبو الياس، مطعِّم الانتخابات البلدية وساحرها. فالتجوال وسط الكتل النيابية يؤكد أن زمن النواب ـــــ الزعماء في بلداتهم قد انتهى، وأن أكثر النواب زغردة على المنابر يبذل جهداً جباراً لتزكية مختار في بلدته. هذا زمن النواب الذين لا يمثلون شيئاً.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment