Wednesday, April 14, 2010

الوحدة الوطنيّة فوتبول!
اجتمع الزعماء في الذكرى الـ35 لانطلاق الحرب الأهليّة. حملوا شعار «كلنا فريق واحد» واختلطوا بين فريق أحمر وآخر أبيض للتشارك في مباراة كرة قدم. إلا أنهم تركوا جمهورهم في الخارج، مكرّسين معادلة أنّ أي مصالحة ممكنة ستكون على المستوى القيادي لا الشعبي
نادر فوز
تخطّى النواب والوزراء مخيّلة معدّي برامج السخرية والترفيه، وقدّموا stand up comedy عفوياً يكاد يناهز إطلالات «ساينفيلد» وعروض جاد المالح وغيرهما. قدّموا لبرامج الترفيه المحلية مادة دسمة تغذي حلقاتهم أشهراً. ولعلها المرة الأولى التي يتمكّن فيها المواطنون من التندّر على زعمائهم. تعيينات تركض يميناً وموازنة تسقط شمالاً. حوار ينقطع لغياب اللياقة اللازمة، وانتخابات بلدية تتدحرج مع الكرة. ويبقى السؤال: هل تنتقل هذه الأجواء الهادئة والمرحة إلى طاولة قصر بعبدا الحوارية غداً؟
اجتمعت وجوه حكومية ونيابية في «مدينة كميل شمعون الرياضية» للمشاركة في مباراة كرة قدم في الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاق الحرب الأهلية. اختلطوا وتوزّعوا بين «الأحمر» و«الأبيض»، تاركين الجماهير التي «هيّجهوها» قبل أشهر، في الخارج، ليستمتعوا وحدهم باللعبة. قلقوا من عدم قدرتهم على ضبط جمهورهم. إلا أنّ هذه الحجة غير المعلنة جعلت من فكرة «كلنا فريق واحد» ناقصة، أو حتى سطحية. ربما «كلنا واحد» إذا أردنا تسليتكم أو «كلنا واحد» إذا أردنا شحنكم، لكن بالتأكيد «كلنا واحد» في استغلالكم وضرب مصالحكم.
بدا المشهد أمس كأن السياسيين يجتمعون على لعبة كرة لنسيان الحرب الأليمة، فيما الضحايا الفعليون لهذه الحرب لم ينضمّوا إلى هذه اللعبة. وثمة ما هو «أوقح» من ذلك: حرص المنظمون على مراعاة التنّوع الطائفي في استدعاء القدامى وتعيين الحكام.
رغم ذلك، سجلت أمس مباراة مرحة، قادها حكّام محليون، على عكس المباريات السياسية التي يقودها حكام أجانب عادةً ما يضيفون نكهات سلبية. صال النائب سامي الجميّل وجال في الملعب، مستفيداً من صغر سنّه، وسجل بكل جدية ممكنة هدفي المباراة، مؤكداً أنه ورث شيئاً عن جدّه غير المشاركة في السلطة السياسية. أما زميله علي عمّار، فقد خيّب الآمال ولم يكشف عن الصواريخ الرياضية التي وعد بها. الرئيس سعد الحريري، الذي حمل الرقم 22 (على اعتبار أنّ 14 + 8 =22)، تسلّح بعبارة «تعال، تعال، offside» وصنع ألعاب فريقه وقدّم مجموعة من الحركات الاستعراضية، مزوداً الوزير جبران باسيل بالكرات اللازمة، فيما تميّز النائب علي بزي إلى جانب زميليه آلان عون ومحمد رحال.
في مباراة أمس، اضطرّ معظم النواب والوزراء لشراء أحذية جديدة لخوض المباراة، فيما لجأ علي بزي إلى استعارة حذاء هداف نادي النجمة، عباس عطوي. أما الوزير ميشال فرعون فاحتفظ بحذائه الرسمي «الموكاسان». كما تبيّن أن المباراة استحوذت على اهتمام الوزير سليم الصايغ، الذي توجّه بثياب الرياضة المبلّلة إلى أحد الاجتماعات في مكاتب إحدى الصحف المحلية.
في هذه الأجواء، تحرك المسؤولون على أرض الملعب، وتميّزوا في التمريرات غير المنسّقة بين خصوم الفريق الواحد، وقادوا مناورات لا تشبه بضعفها مثيلاتها في السياسة.
ميدانياً، بدا الفريق الأحمر بقيادة سعد الحريري أنشط عبر تشكيلة تضم لاعبين أصغر سناً كجبران باسيل وسامي الجميّل وعقاب صقر، فيما ضمّ الفريق الأبيض بقيادة علي عمار، علي بزي وآلان عون وأكرم شهيّب. وضاعت فرصتان لجبران باسيل وسعد الحريري هزتا الشباك الجانبية لمرمى الحارس قاسم هاشم، رد عليهما بزي وعمار من دون تسجيل إصابات. انتهى الشوط الأول سلبياً، فبان في الثاني منه تفوّق الأحمر بتسجيل الجميّل هدفين في الدقيقتين 26 و29 من عمر المباراة. ويبدو أنّ مشاركة خمسة لاعبين قدامى إلى جانب التشكيلتين لم تفلح في تنظيم اللعبة وتحسينها.
حضر كل من طوني رستم، وإبراهيم الدهيني، وغسان أبو ذياب، وأوبيك وسمير سعد، مع العلم بأنّ الـ«سعدين» ورستم وأوبيك لم يتمكنوا من اللعب لأن فريقهم تقدم (2-0). أما أبو ذياب والدهيني فلعبا وفق تعليمات خاصة تهدف إلى اعتماد أسلوب قطع الكرات وتمريرها من دون اللجوء إلى التسديد، إضافة إلى نصيحة «إيّاكم وتمرير الكرة من بين رجلي أحد»، بحسب وصيّة المدربين المشرفين على الأحمر: مصطفى حمدان، والأبيض عدنان حمود. كل هذا أمام أنظار حكام المباراة، إذ قاد الشوط الأول الحكم رضوان غندور، والثاني أندريه حداد الذي رفع البطاقة الصفراء الوحيدة بوجه النائب آلان عون لتسديده الكرة بعدما أوقف اللعب. في هذه الأثناء، كان الرئيس ميشال سليمان باللباس الرسمي، يجلس في المنصة الرئيسية يتابع المباراة، متلفّتاً ضحكة هنا وأخرى هناك، مواكباً المشاهد الدراماتيكية على أرض الملعب.
حرص المنظمون على مراعاة التنّوع الطائفي في استدعاء القدامى وتعيين الحكام
اللافت بعد المباراة كان الرسائل السياسية التي حاول عدد من النواب تمريرها، أبرزها إهداء النائب سامي الجميّل الهدفين إلى جميع شهداء لبنان «وخصوصاً جدي بيار الجميّل وكميل شمعون»، وإضافته: «يبدو أن استراتيجية علي عمار الدفاعية فاشلة»، ما استوجب رداً من عمار: «استراتيجيتنا الدفاعية هي فقط ضد العدو الإسرائيلي. وفريقنا لم يرد أن يُفشل فريق الرئيس الحريري لكونه رئيس حكومة».
وفي إطار المزاح السياسي أيضاً، أكد الوزير جبران باسيل أنه مرر «للرئيس الحريري الكثير من الكرات، لكنه لم يسجّل هدفاً»، مشدداً على «أننا دائما نلعب بمشاركة لا وحدنا داخل الملعب وخارجه، وإذا استمررنا باللعب بهذه الطريقة في المجالس فسينعكس هذا الأمر إيجاباً». أما النائب سيرج طورسركيسيان فأشار إلى أن «الصداقة بدأت تنمو بيننا كسياسيين من دون أن ندرك ذلك»، طالباً من اللبنانيين أن يكون خلافهم السياسي واضحاً ولكن بشكل رياضي. وعلق على ملاحظة الجميّل الدفاعية بالقول: «الدفاع كان جيداً، ولا يمكن القول أي استراتيجية كانت أفضل لأن كل فريق كان يضم مختلف الجهات».
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment