Friday, September 30, 2011

إسرائيل و«دولة فلسطين»: 3 مخاوف رئيسيّة
جنود الاحتلال في قرية الرام بالضفة الغربية أمس (أحمد غربلي ـ أ ف ب)

ربما في الفترات التي سبقت الحروب الكبرى لإسرائيل فقط، يمكن المرء أن يعثر على سوابق تاريخية احتشد فيها هذا القدر من الاستنفار السياسي والدبلوماسي والأمني
والإعلامي الذي تشهده الدولة العبرية هذه الأيام. «التسونامي السياسي»، المتشكّل من سعي السلطة الفلسطينية إلى نيل الاعتراف الدولي بدولةٍ مستقلةٍ عبر مؤسسات
الأمم المتحدة، وصل إلى شواطئ تل أبيب

محمد بدير

لم تفلح الحكومة الإسرائيلية، برغم صافرات الإنذار السياسية التي ملأ طنينها الأجواء الإسرائيلية على امتداد الأشهر الماضية، في إيجاد الصيغ الوقائية الملائمة
لمواجهة الأمواج العاتية المتوقعة. أمواجٌ بات واضحاً أن حجم الأضرار الذي تخشى تل أبيب أن تُخلّفها كبيرٌ إلى الحد الذي يدفع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست
إلى حجب تقرير خاص أعدّته عن هذا الموضوع. وليس أدل على التهديد الذي تستشعره إسرائيل من وراء الاعتراف الأممي بدولة فلسطينية من إقرار وزير خارجيتها المشهور
باستخفافه بالعرب وتحقيره لكل ما يفعلونه بذلك.

في تصريحٍ له قبل أيام، قال أفيغدور ليبرمان إن «إعلاناً فلسطينياً أحادي الجانب من شأنه أن يحدث تداعياتٍ خطيرة بعيدة المدى».
قد يكون الأرجح أن ما قصده زعيم «إسرائيل بيتنا» تحذيرٌ مبطنٌ من ردود الفعل التي قد تقدم عليها إسرائيل في حال مضيّ السلطة الفلسطينية في خططها الرامية إلى
استحصال على الإقرار الأممي بدولة مستقلة، (وهو أعلن بالمناسبة عن إجراءات اقترحها ضمن هذا السياق، من بينها ضم المستوطنات وإلغاء اتفاقيات أوسلو وحجز الأموال
التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة)، إلا أن ذلك لا يُلغي الجانب الخبري في تصريحه ـــــ سواء عناه أو لا ـــــ وهو المتعلق بخطورة الآثار السلبية التي تترقبها
تل أبيب على خلفية إضفاء صفة الدولة رسمياً على الكيان الفلسطيني الناشئ في المناطق المحتلة عام 67. في كل الأحوال، فإن حدّة الإجراءات المقترحة كرد فعل إسرائيلي
تشير ضمناً الى تقدير ليبرمان لمدى خطورة التداعيات الكامنة في الفعل الفلسطيني.
خلال الفترة الماضية، حفلت الحلبة السياسية الإسرائيلية بسجالاتٍ مكثفة حول المعاني السياسية التي ينطوي عليها حصول السلطة الفلسطينية على مكانة الدولة في المنظمة
الدولية. جاء ذلك ضمن سياق حالة الاستنفار التي تعيشها إسرائيل منذ إعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، نيته التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب هذه المكانة. تحدثت
تقارير صحافية عن حراكٍ نشط شهدته شبكة العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية لتوضيح هذه المعاني لدى أكبر عدد ممكن من دول العالم لتجنيد موقفها الرافض للخطوة الفلسطينية،
واستفاضت تقارير أخرى في تغطية الاستعدادات التي يجريها الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى تحسباً لانعكاسات ميدانية قد تنجم عنها. بين هذا وذاك، برزت الخشية الواضحة
من التداعيات القانونية والقضائية التي ترى المحافل الحقوقية والسياسية في إسرائيل أنها ستترتب على إعلان الدولة الفلسطينية. في العموم، يمكن تلخيص المخاوف
التي تعتري إسرائيل من الدولة الفلسطينية في ما يأتي:

انتفاضة ثالثة؟

الخطر الأول الذي ترى إسرائيل أنه يتهددها في خطوة إعلان الدولة يتمثل في الخشية من انطلاق ديناميكية شعبية فلسطينية مواكِبة للحدث يمكن أن تتطور ـــــ حالَ
تصاعدها ـــــ إلى خروجها عن السيطرة وسلوكها مسار صيرورةٍ تستنسخ فيها الحراك الشعبي العربي القائم، أو تتجه نحو انتفاضة جديدة ثالثة تكون أكثر عنفاً ـــــ
بما لا يُقاس ـــــ من النسختين السابقتين ربطاً بحالة العسكرة التي مر بها المجتمع الفلسطيني بفصائله المختلفة. وتواجه إسرائيل على هذا الصعيد معضلة متعددة
الأوجه: فعدم مواجهة الحركة الشعبية الفلسطينية قد يؤدي إلى إكسابها مزيداً من الزخم والجرأة، وقد يدفعها إلى تحدي الخطوط الحمر الإسرائيلية، مثل التوجه نحو
المستوطنات أو محاولة هدم الجدار الفاصل على الحدود الغربية للضفة. وفي حال مواجهتها ميدانياً، فإن الإصابات المحتملة التي سوف تنجم عن ذلك ستُعطي الشارع دفعاً
إضافياً، وخصوصاً في ظل الحساسية الشعبية المرتفعة بفعل «الربيع العربي». والإشكالية المهمة المستجدة التي سوف تعترض سبل المواجهة الإسرائيلية للحراك الفلسطيني
تكمن في أنه سيتخذ صفة «حرب التحرير الوطني الفلسطيني»، وستكون هذه الصفة مستندة إلى مسوغات الشرعية الدولية، وتالياً لن يكون نعتها بصفة الإرهاب بالسهولة التي
اعتادت عليها إسرائيل سابقاً.
وفي كل الأحوال، أخشى ما تخشاه إسرائيل هو دخول «أطراف ثالثة» على خط المواجهة، سواء كان ذلك من قبل الفصائل الفلسطينية التي لا تزال ترى في المقاومة الطريق
الأجدى نحو التحرير، أو من جانب المستوطنين الذين يمارسون منذ فترة سياسة «شارة الثمن» ضد الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية ويسهمون من خلال ذلك في تأجيج
الوضع الشعبي الفلسطيني، أو من جهاتٍ خارجية يمكن أن تستغل الوضع المستجد لتلتفّ على أزمتها الداخلية من خلال تحريك الجبهة مع إسرائيل «سلمياً» عبر مسيرات شعبية
باتجاه الحدود تحت شعار «حق العودة»، تماماً كما حصل في ذكرى النكبة قبل أشهر. كل ذلك، ولم يتم التطرق بعد إلى احتمال أن تقود التطورات في مرحلة ما إلى وقف
التعاون الأمني من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية مع نظيرتها الإسرائيلية، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل خطراً داهماً على أمنها الداخلي، وخصوصاً
إذا ما تم ذلك على خلفية تكريس المصالحة التي بدأت قبل أشهر بين حركتي فتح وحماس، ما يعني وقف حكومة رام الله لعمليات «الإحباط» والاعتقالات التي تنفذها بحق
أنشطة الحركة الإسلامية وكوادرها.
ويمكن تقدير درجة الخطورة التي تعزوها إسرائيل للتهديد الشعبي المتأتي عن إعلان الدولة الفلسطينية من خلال متابعة الاستعدادات الميدانية التي تعكف عليها تشكيلاتها
العسكرية والأمنية منذ أشهر، وهي استعدادات تكاد تقترب من الجهوزية الحربية الكاملة بما تتضمنه من تدريب وتجهيز وخطط لاستدعاء الاحتياط وإعادة نشر القوات ورفع
مستوى التأهب داخل صفوف الشرطة والجيش والأجهزة الاستخبارية.

عزلة دولية وجمود العملية السياسية

المحظور الثاني الذي تخشاه إسرائيل هو أن يدفع رفع مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة إلى دولة نحو استغلال الأخيرة لواقعها السياسي الجديد ضمن
سياق مناكفة الدولة العبرية في المحافل الدولية، وصولاً إلى زيادة ما تقول تل أبيب إنها عزلة سياسية تزداد حلقاتها ضيقاً حولها. فالدولة الفلسطينية الناشئة
ـــــ سواء كانت تتمتع بصفة العضوية أو الرقابة ـــــ سيتاح لها الانضمام إلى المواثيق والمنظمات الدولية المختلفة لتمارس فيها إن أرادت ندّية سياسية تستند
إلى مستمسكات أخلاقية وقانونية ضد الحضور الإسرائيلي فيها، فضلاً عن إمكان تفعيل المكانة المستجدة لتعزيز المقاطعة الأهلية القائمة في دولٍ غربية ضد إسرائيل،
منتجاتٍ وشخصياتٍ سياسية وأكاديمية. بيد أن الأهم والأكثر خطورة من ذلك هو أن إقرار الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 67 سيغير تماماً الإطار القانوني للعلاقات
بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ويلغي جزءاً من مرجعيات العملية السياسية. فعلى سبيل المثال، ستتحول المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية، بما
فيها القدس، من أراضٍ متنازع عليها إلى أراض محتلة وفقاً للقانون الدولي. ومن شأن ذلك أن يدفع الفلسطينيين إلى تجاوز مسار المفاوضات على قاعدة أن ما منحتهم
إياه الشرعية الدولية من حقوق سيادية على صعيد المسائل الجوهرية تحديداً (الحدود، العاصمة، عدم شرعية المستوطنات) لم يعد مادة للمساومة على طاولة التفاوض. وقد
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي صريحاً في تعبيره عن هذه النقطة حين رأى أن «إعلان الدولة الفلسطينية سيجعل المفاوضات تعلّق لستين عاماً».

فقدان امتيازات «سيادية»

امتداداً للنقطة السابقة، تخشى إسرائيل من إمكان أن يسعى الفلسطينيون إلى ممارسة أنشطةٍ عملية تُكرس مبدأ سيادتها على أراضيها ومجالها الجوي والبحري. فحق الدولة
الفلسطينية المزمعة في التوقيع على الاتفاقيات سيفتح لها باب الانضمام إلى أطرٍ ومنظمات دولية متخصصة، مثل اتفاقية قانون البحار ومنظمة الطيران المدني الدولي
(IATA)، فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية. يستتبع ذلك إسقاطات قانونية وإجرائية على أكثر من صعيد، كأن يُصبح الفلسطينيون أصحاب السلطة على المياه الإقليمية
قبالة سواحل غزة، مع ما يعنيه ذلك من إمكان تحدي الحصار أمام محكمة الهيئات القانونية الدولية وحق المطالبة بالغاز الطبيعي الواقع ضمن المنطقة الاقتصادية الفلسطينية
الخالصة. ومن هذه الإسقاطات أيضاً رفض منظمة IATA السماح للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتحليق فوق الضفة الغربية وغزة بوصفها أجواء سيادية فلسطينية، ما يعني
اضطرار شركات الطيران الإسرائيلية والأجنبية إلى تخطيط مسارات تحليق جديدة تربك الحركة الجوية القادمة إلى إسرائيل والمنطلقة منها.

شبح لاهاي القضائي

يبقى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق الإسرائيلي هو الحق الذي ستتيحه عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، حتى كدولة مراقبة، بمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية
في لاهاي بتهمٍ متعددة، تبدأ بجريمة المشروع الاستيطاني التي تُعدّ بحسب نظام المحكمة جريمة حرب (نقل سكان من وإلى أراضٍ محتلة)، ولا تنتهي بارتكابات الجيش
الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية خلال العمليات العسكرية الكبرى كـ«السور الواقي » عام 2002 والحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل عامين.

ليبرمان لإجراءات عقابيّة ضد الفلسطينيّين

يروّج وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان (الصورة)، لضرورة أن تكون مواجهة المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة والحؤول دون إعلان الدولة الفلسطينية، مبنية
على استخدام إسرائيل «صندوق أدوات» مهمته معاقبة السلطة الفلسطينية إن هي أصرّت على طرح قيام الدولة من جانب واحد. ومن بين «الأدوات» التي يتضمنها هذا الصندوق:
إلغاء اتفاقيات أوسلو والترتيبات الأمنية والعلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ضم الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية الى إسرائيل، تجميد أموال الجمارك
والضرائب المجباة لمصلحة السلطة من قبل إسرائيل، إلغاء بطاقات العبور (VIP) لكبار مسؤولي السلطة التي تمكّنهم من السفر الى الخارج أو الدخول الى إسرائيل، وتشجيع
اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة على تحفيز أصدقاء إسرائيل في الكونغرس لاتخاذ قرار بوقف المساعدات السنوية الأميركية للسلطة، التي تصل الى نصف مليار دولار
سنوياً.

مقالات أخرى لمحمد بدير:
list of 5 items
• إسرائيل والربيع العربي: السلام يُصنع مع... المستبدين
[1]
• ينابيع تسليح حزب اللّه لم تجفّ والحرب المقبلة محورها تل أبيب
[2]
• واشنطن لتل أبيب: مساعدة لبنان عسكرياً رهن موافقتكم
[3]
• هكذا أرادت إسرائيل أن تكون القوّة الدوليّة في لبنان
[4]
• إسرائيل تهدّد الفلسطينيين بخطوات أُحادية
[5]
list end
http://www.al-akh

No comments:

Post a Comment