Sunday, September 25, 2011

بين «الإرث» و«المشروع».. وإشكالية العلاقات مع القوى السياسية«القوات» تشتغل على صورتها.. وتبادر اليوم باتجاه «حزب الله»
دنيز عطا الله حداد
تحيي «القوات اللبنانية» اليوم ذكرى شهدائها، كما اعتادت منذ سنوات. هي من المناسبات القليلة التي تربط «القوات» الحالية بتاريخها. فـ«القوات» تغيرت. اقله هذا
هو الانطباع الذي تحرص على عكسه سياسيا واعلاميا. تريد ان تعطي صورة مغايرة عنها، فتطوي صفحة الحرب وظروفها، متعظة من دروسها وتفتح صفحة جديدة. صفحة لا تسقط
عنها «ارثها المقاوم» لكنها تتخفف فيها من «كل أذية او خسارة او ضرر غير مبرر تسببت به «القوات» خلال الحرب» وفق ما ورد في اعتذار رئيسها سمير جعجع في ايلول
2008.
حاولت «القوات» انتزاع شرعية الحضور السياسي. مدت جسورا ووطدت علاقات مع من كانوا عناوين الخصومة. فهل نجحت؟ هل تغيرت طروحاتها ومقارباتها لعدد من المواضيع
الحساسة ام هي تمارس سياسة التقية؟ كيف يتلقى جمهورها خطابها وتغيراتها؟ ما الذي يحكم علاقتها بالاحزاب والقوى السياسية؟ هل صحيح ما يتهمها به الخصوم من محاولاتها
«الالغائية» المتواصلة لاي طرف سياسي مسيحي قوي؟
في الشكل، نجحت «القوات» في استعادة الكثير من زخمها الشعبي وقدراتها التنظيمية. وسيكون قداس اليوم مثالا في الحشد وحسن التنظيم. لكنها في المقابل، لم تنجح
في التوسع خارج بعض اطرها التقليدية واستقطاب «وسطيين» او محايدين في الشارع المسيحي. هنا يحضر «تاريخها» عبئا. ولا يوفر الخصوم مناسبة الا للعب على وتر ماضيها
والتركيز على نبش صفحاته السوداء. يقترب منها «وسطيو 14 آذار» حينا ويبتعدون حينا آخر. جمهورها الجديد من الشباب المتحمس، كي لا نقول المتطرف. وهنا يتندر «قواتي»
قديم مستعيرا الشعار الروسي عن الحزب الشيوعي قائلا «اذا بلغت العشرين من العمر ولم تكن قواتيا فانت بلا قلب مسيحي. اما اذا بلغت الثلاثين وما زلت قواتيا فانت
بلا عقل مسيحي».
لا يبتسم مسؤول حالي في «القوات» لهذه الاستعارة. يعتبرها «اكثر تعبيرا في وصف العلاقة مع الحزب الشيوعي». يستفيض الشاب في الكلام عن التاريخ والفلسفة الضليع
فيهما. يستشهد بهيغل وهايدغر وراسل وهانتغنتون وفوكوياما ويستعير من ميشال شيحا وفؤاد افرام البستاني وكمال يوسف الحاج. في كلامه رسالة واضحه لمحدثه يريد ان
يؤكد فيها على «ان الصورة النمطية التي يسعى البعض الى إلصاقها بـ«القوات» لا تنطبق مطلقا على واقع الحال اليوم. في «القوات» شباب مثقفون اختاروا النضال السياسي
وحمل الامانة التاريخية لوجود المسيحيين في هذا الشرق من دون عقدة نقص او خوف او ارتهان ومن دون ادعاءات وعنتريات».
لكن في زواريب السياسة المحلية، تختلف الحسابات والمنطلقات. فـ«القوات» اليوم «عصب» التحالف المسيحي داخل «14 آذار» حيث تلتقي مع «المستقبل» الذي يشكل «العصب»
السني. تحالفهما «متين» على ما يؤكد الطرفان. لكن ذلك لا يمنع بعض عتب من هنا واتهام بالتقصير من هناك. اما الحرج فقد تجاوزه الطرفان في بيئتيهما، وان بقي «حذر
دفين» مقيما في وجدان كل من الجماعتين المتحالفتين اليوم. وهو في المناسبة، حذر يسكن في وجدان كل الجماعات الطائفية المكونة لهذا البلد، تجاه بعضها البعض.
هذا الحذر هو ما يحكم ايضا علاقة «القوات» بـ«التقدمي الاشتراكي» ومن خلاله مع الطائفة الدرزية. يتجنب الطرفان التعبير عن الاختلاف في وجهات نظرهما الى بعض
المواضيع، تماما كما يتجنبان التصريح عن الاتفاق على مواضيع اخرى. في خلفية الصورة يحضر الجبل وتعايش ابنائه والاستقرار فيه.
العلاقة بين «القوات» و«حزب الله» شديدة التعقيد، على الرغم من غياب اية علاقة مباشرة. فوسط جمهور «القوات»، هناك من «يغار» من قدرة «حزب الله» ونفوذه وسلاحه.
لا يختلف «القواتيون» على ان «السلاح خارج الشرعية هو العائق الاساسي لقيام الدولة». لكن.. «ليت ذاك السلاح كان لنا». عبارة لا يقولها اي مسؤول «قواتي» علنا،
ومع ذلك فهي ترد في افكار «قواتيين» كثر. المسؤولون من بينهم يقولون «كنا حيث «حزب الله» اليوم. كانت لنا دولتنا وسلاحنا ومخابراتنا وامننا وعلاقاتنا. تعلمنا
بالطريقة الصعبة ان الدولة هي الحصن والحضن والضامن الوحيد. فلم لا يوفر الحزب على نفسه وعلينا شرب الكأس المرة نفسها مرارا وتكرارا؟».
ويكشف مصدر في «القوات» ان «الحكيم» سيطلق اليوم في كلمته مبادرة باتجاه «حزب الله» في هذه الظروف المصيرية التي تمر بها المنطقة ولبنان.
تبقى علاقة «القوات» في الوسط المسيحي مع كل من «التيار الوطني الحر» و«الكتائب» و«المرده».
ساهم «اللقاء الرباعي» الذي رعاه البطريرك بشارة الراعي في بكركي في عقد هدنة بين الاقطاب الموارنة الاربعة امين الجميّل، ميشال عون، سليمان فرنجية وسمير جعجع.

لكن الهدنة سقطت سريعا بين «الرابية» و«معراب». فالتنافس هنا لا يسمح بالمهادنة. ويتهم مصدر في «القوات» «التيار» بـ«نبش القبور والاحقاد والمبادرة بالهجوم
في كل مرة لانه لا يعيش الا على رد الفعل واستنهاض العصبيات الدفينة». فيما يسخر احد نواب «التيار» بالقول «لا نحتاج الى نبش، فالخطايا تطفو على السطح».
الهدنة الساقطة مع «التيار» تواصل صمودها مع «المرده». تريد «القوات» التخفف والتخفيف من عداواتها خصوصا في الاوساط المسيحية.
اما مع «الكتائب»، فهي الرحم الذي تريد قطع حبل الصرة معه وفي الوقت عينه تخاف ان يعيد انجاب «بشير» ثان. علاقة «معراب» و«بكفيا» مقبولة في حدها الادنى. لسامي
الجميّل طموحاته التي تأخذه احيانا بعيدا، تماما كوالده. وبين الاب والابن، نديم الشاب الذي لا يتردد في تكرار زياراته الى معراب. لكن جعجع الذي يتجنب الدخول
في صراعات «الحزب والعائلة»، لا يغلق الباب ولا يشرّعه.
< المقال السابق

No comments:

Post a Comment