Wednesday, September 28, 2011

«وجود المسيحيين في الشرق تاريخي ودورهم أساسي في أوطانهم»القمة الروحية في دار الفتوى: منع الحراك العربي من الانحراف
القمة منعقدة في دار الفتوى (علي علوش)
غراسيا بيطار

«لم تكن محاكمة للراعي». إنه الجواب المباشر للقمة الروحية على كل من كان ينتظر أن يخضع البطريرك الماروني لنوع من «الاستجواب» أو «الاستيضاح» من «نظرائه». فرأس
الكنيسة المارونية هو من بادر، جراء العاصفة «المفتعلة» التي رافقت ما قبل زيارته فرنسا وفيها وبعدها، إلى «توضيح» ما كان قد التبس على البعض.
وقف الراعي مختارا مبادرة «إزالة أي غشاوة»، ساردا حيثيات جولته الفرنسية السابقة ومعطيات جولته الأميركية المقبلة. فكانت القمة على اسمها، «روحية» بامتياز.
لم تأت على تسمية «ما ليس من اختصاصها». وحده «التوطين» ذكرته القمة بـ«الفم الملآن» رافضة إياه «شكلا وأساسا» ومعلنة التمسك بـ«حق العودة». وكما في كل «خلواتهم»
الروحية، أبدى أصحاب السيادة والسماحة والغبطة (ممثلو 17 طائفة) «رغبتهم الدائمة في أن تنعقد قمة روحية دورية بهدف تعزيز العمل المشترك الإسلامي المسيحي لنشر
رسالة لبنان في الداخل والعالم العربي».
قمّة دار الإفتاء التي انعقدت أمس بمشاركة حوالى 35 شخصية بين رئيس طائفة وروحي وعلماني، تقررت في «شكلها ومضمونها» في غضون ثلاثة أيام. المبادرة أطلقها الراعي
عندما اتصل بمفتي الجمهورية محمد رشيد قباني أثناء وجود الأخير بالسعودية، واتفقا على الموعد. ويلفت الأمين العام للجنة الحوار المسيحي الإسلامي محمد السماك
الانتباه الى أن الراعي «كان يودّ أن تقتصر على رؤساء الطوائف الإسلامية ولكنها سرعان ما تحولت قمة طارئة وشاملة». ويكشف «مهندس» البيان الختامي أن الصيغة النهائية
للأخير «لم تشمل أي تعديل على المسودة الأساسية بقدر ما حوت بعض الإضافات، خصوصا أننا كنا قد وضعنا جميع الأطراف في مضمون البيان قبل أيام من الاجتماع». وموضحا
«ان القمة تتعاطى في مبادئ عامة وليس قضايا خاصة فالمحكمة مثلا أتت القمة سابقا على ذكرها وليس من الضروري التكرار خصوصا أنها مسألة موضوعة في عهدة المجتمع
الدولي».
المفتي قباني لم يتردد في إعلان شعوره منذ البداية، إذ بدا الأكثر حماسة للقول «إنني فهمت البطريرك منذ اللحظة الأولى ولم أشكك لحظة بأبعاد كلامه». وبعدما عرض
للمشاركين «الهواجس المسيحية التي أعرب عنها خلال زيارته فرنسا وما رافقها من لقاءات ومواقف والظروف التي أطلقت فيها تلك المواقف»، أصغى الحضور فكانت بعض «الاعترافات»
بين بعضهم البعض. أسرّ صاحب عمامة بأنه «بداية «نقزت» من مواقف الراعي لأنها تظهرت بطريقة معينة ولكنني بعدما قرأت اكتشفت مدى الظلم الذي تعرض له جراء تلك الحملة
ضده». وهمس رئيس طائفة: «الله يحمي البطريرك». لم تكن هناك لا أسئلة ولا أجوبة. وسمع البطريرك الكثير من الثناء على جولته الجنوبية.
ولأن «إذاعة القرآن الكريم» التابعة لدار الإفتاء استمرت سهواً في النقل المباشر بعد الكلمة الافتتاحية للمفتي قباني، تمكن الإعلام من رصد بعض المواقف من كلمة
الراعي المخصصة لجلسة روحية مغلقة. فقال في الشأن السوري: «هناك ضرورة لإرساء الحريات والديموقراطيات لكن ككنيسة لا نوالي ولا نعادي أي نظام، غير اننا ضد العنف
من أي جهة أتى، فمآسي العراق لا تزال ماثلة أمامنا والديموقراطيات أصبحت حربا أهلية في العراق وهجرت المسيحيين، راجيا ألا تقود الحوادث في سوريا الى حرب أهلية
بين السنة والعلويين وانتقالها الى لبنان لكونه يرتبط عضوياً بسوريا».
كما قال انه «طلب مساعدة فرنسا لتقوية الجيش لنزع مبررات سلاح حزب الله». وفي الخلاصة، يؤكد أحد المشاركين، ساد جو موحد لدى الجميع بأن البطريرك ظلم في الحملة
التي تعرض لها وكأن هناك من لا يريد أن يفهم حقيقة الأمر. وقبل أن يفتح النقاش في الأوضاع العامة لمدة ساعتين، ختم الراعي كلمته بإطلاع الروحيين على زيارته
المرتقبة الأسبوع المقبل الى أميركا: «زيارتي في الأساس للقاء مطارنة الانتشار وعلى هامش هذا اللقاء سأقوم بجولات راعوية في مختلف الولايات الأميركية... لا
سياسة لا من قريب ولا من بعيد».
الافتتاحية كانت للمفتي قباني الذي وصف القمة بـ«الاجتماع الاستثنائي والتاريخي»، قال: «نتعاهَدُ اليوم معاً مسلمينَ ومَسيحيين على الأمنِ والأمانِ لبَعضِنا،
وإنَّنا لَنعلَمُ يقيناً بأنَّ المسيحيين في لبنان هُم دائماً على هذا العهد مع إخوانهِم المسلمين في لبنان، وكذَلكَ المسلمونَ هُم على هذا العهدِ فلا اقتتالَ
ولاَ ضَرَرَ بينهم، ولاَ خَوفَ على أحَدٍ من أحَد، لا في لبنان ولاَ في المنطقة العربية كلِّها فَنَحنُ اليوم جميعاً على هذا العَهدِ التاريخيِّ بينَنا».
وقبل أن يتوجه الروحيون الى «معهد تفهم الإسلام» في دار الفتوى حيث أقام المفتي على شرفهم مأدبة غداء تكريمية، تلا السماك البيان الختامي الذي وقع في سبع نقاط
اندرجت تحت عنوان «صيانة العيش المشترك والتاريخي في هذه المرحلة الفاصلة التي تمر بها مجتمعاتنا العربية». فأكد البيان على الآتي:
«أولا: متانة العيش الوطني، والتفاعل التاريخي والحاضر في المنطقة العربية بين المسلمين والمسيحيين، استنادا لانتمائهم العربي، هوية وثقافة، ولتجربتهم العريقة
والغنية، وللتحديات المشتركة والمصير الواحد، والتأكيد على ان وجود المسيحيين وهذا الشرق هو وجود تاريخي وأصيل وان دورهم أساسي وضروري في أوطانهم.
ثانيا: استقرار لبنان، الوطن النهائي لجميع بنيه، على ثوابت العيش المشترك ومرجعية وسيادة الدولة والدستور، والتوافق على المصالح الوطنية والقومية الكبرى ضمن
القواعد التي أرستها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في الطائف وعلى أساس المشاركة في إدارة الشأن العام، واحترام مبدأ المناصفة، إن وحدتنا الداخلية تدعونا للوقوف
سدا منيعا بوجه كل المحاولات الخارجية التي تستهدف زعزعتها وزرع الفتنة في ما بيننا.
ثالثا: احترام كرامة الإنسان وحرياته الأساسية ومن ضمنها الحريات الفردية والدينية والسياسية وحرية التعبير، واعتبار التنوع غنى وإثراء لإنسانية الإنسان، واعتبار
المواطنة أساسا في تحديد الحقوق والواجبات، وفقا للمبادئ الدستورية والقانونية والشرائع الدولية وفي مقدمتها شرعة حقوق الإنسان.
رابعا: لبنان جزء من العالم العربي هوية وثقافة ومصيرا. وقد كان اللبنانيون روادا في نشر ثقافة النهوض والاستنارة في هذا الشرق. وعلى مثل العيش المشترك والتنوع
والحرية والمواطنة وحكم القانون حاولوا بناء نظامهم السياسي والديموقراطي، فتفاوت نجاحهم في ذلك، إنما ما وهنت عزائمهم في البقاء على الثوابت الإنسانية والوطنية،
وفي صون تجربتهم الرسالية وتطويرها. والأمل اليوم وغدا باق في تقريب ثقافة المواطنة لدى شباب لبنان ومحبة الوطن ومعرفة تراثه والالتزام برسالته ودوره في العالم
العربي والعالم.
خامسا: إن الحراك الجاري في البلدان العربية المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية، يتيح فرصا يقتضي الاستفادة منها لحماية هذا الحراك ومنعه من الانزلاق
إلى ما قد يتجه به اتجاهات تنحرف به عن غاياته الأصيلة أو تكون سببا في إثارة الهواجس والمخاوف. والمطلوب من الجميع الحرص على الإصلاح والتطوير والانفتاح ومراعاة
الإرادة الشعبية والتمسك بالدولة المدنية القائمة على مفهوم المواطنة بما يبدد كل الهواجس ووجوه القلق ويعزز الثقة بالعيش الواحد، والحرص في الوقت ذاته على
أمن المجتمعات والانسجام بين فئاتها، وصون المصالح الوطنية والقومية. مع التأكيد على رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم
والعنف والاستبداد.
سادسا: إن لبنان وطن الرسالة والعيش المشترك واحترام الحريات، يبقى ويستمر بوحدة أبنائه وبإيمانهم به وبرسالته، وبتضامنهم في مواجهة محاولات إثارة الفتن وباعتماد
الحوار الهادئ والمباشر والصريح أساسا لحل المسائل الخلافية بعيدا عن التخاطب الاتهامي في وسائل الإعلام.. ويشكل التزام اللبنانيين ببناء الدولة ومؤسساتها الدستورية
الضامن لهم جميعا.
سابعا: إن لبنان القوي بوحدته الوطنية وبتضامن أشقائه العرب وباحترام المجتمع الدولي، يلتزم برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين شكلا وأساسا، ويتمسك بحقهم في العودة
إلى أرضهم ووطنهم عملا بقرار مجلس الامن الدولي الرقم 194. ويعتبر العمل على تحرير بقية الأراضي اللبنانية والعربية المحتلة وتحرير المقدسات الاسلامية والمسيحية
مما تتعرض له من انتهاك واعتداء، واجبا وطنيا وعربيا جامعا وبحكم قرارات الشرعية الدولية. وهو يهيب بالأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس».
الحضور
حضر القمة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، البطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير
قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، متروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة، بطريرك
الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك أغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، بطريرك الأرمن
الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، الرئيس الروحي الأعلى لطائفة اللاتين في لبنان المطران بولس دحدح،
مطران الأرمن الأرثوذكس في لبنان كيغام خاتشريان، مطران صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك إيلي بشارة الحداد، رئيس الطائفة الإنجيلية القس الدكتور سليم صهيوني،
رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا الأب رويس الأورشليمي، رئيس المجلس الأعلى للطائفة الكلدانية أنطوان حكيم، راعي أبرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية
المطران طانيوس الخوري.
كما حضر أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي، مستشار مفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور فؤاد مطرجي، أمين سر البطريرك الراعي الخوري نبيه الترس،
مدير مكتب البطريرك الراعي وليد غياض، المدير العام للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى نزيه جمول، رئيس المحكمة الدرزية القاضي الشيخ غاندي مكارم، أمين سر بطريركية
الروم الأرثوذكس الإيكونوموس الأب جورج ديماس، الأمين العام لهيئة الشؤون العامة لدار الفتوى هشام المكمل، المعاون البطريركي لبطريرك السريان الكاثوليك المطران
جرجس القس موسى، عبود يعقوب بوغوص، أعضاء لجنة الحوار الإسلامي ـ المسيحي: الدكتور محمد السماك، ميشال عبس، الدكتور جان سلمانيان، كميل منسى والدكتور علي الحسن،
أحمد محمد عاصي وصالح حذيفة.

No comments:

Post a Comment