Friday, September 30, 2011

«نقل» العيش المشترك
Published on الأخبار (http://www.al-akhbar.com)
الصفحة الرئيسية
> «نقل» العيش المشترك

«نقل» العيش المشترك
كلفة الازدحام المروري تبلغ 800 مليون دولار سنوياً غير أنّ الخسارة تفوق هذا الرقم بأشواط (شريف كريم ـــ رويترز)

خطّة العريضي لا تحقّق للبنان الصغير ما يحتاجه
سنوات من تغييب دور الدولة عن أدق تفاصيل حياة المواطن اللبناني، أرست أعرافاً وممارسات خائبة؛ تُرصد تحديداً على صعيد النقل العام. في هذا القطاع، ما يجب أن
يُبحث حالياً ليس خطّة تتطرّق بصورة عرضية إلى النقل المشترك، بل إعادة هيكلة المبادئ العامّة التي تحكم التفكير السياسي الإجمالي باتجاه تحقيق مفهوم النقل
من أجل العيش المشترك

حسن شقراني

يمضي الوزير غازي العريضي بالترويج لخطة النقل التي يطرحها؛ ففي لقاء لجنة الحوار المنبثقة من اتحادات ونقابات قطاع النقل البري أمس، أكّد وزير الأشغال العام
والنقل «تفعيل خطة النقل المشترك، وذلك عبر البدء بشراء الباصات الجديدة».
هناك منافع لا بأس بها لخطّة كهذه، ولكن النقاش المفتوح الذي يتحدّث عنه وزير الأشغال العامّة والنقل بشأن هذه الخطّة، لأنّها بطبيعة الحال «غير منزلة» على
حدّ تعبيره، يجب أن يكون عند مستوى آخر كلياً.
هناك دواع كثيرة لهذه الدعوة، أهمّها: إذا كنت تريد هيكلة النقل العام المشترك، فلماذا لا تفعل ذلك على نحو مناسب، بحيث يكون القطاع متماهياً مع كل القطاعات
الأخرى ويولّد المنافع الاقتصادية في كلّ اتجاه بعدما سيطرت الأساليب المشوّهة لإدارة هذا المرفق العام الحيوي؟
صحيح أنّ التقديرات المحافظة تضع الخسارة المباشرة من جرّاء ازدحام السير في لبنان عند نسبة 2% من الناتج المحلّي الإجمالي. وطبقاً لحجم الاقتصاد حالياً، تبلغ
الكلفة 800 مليون دولار سنوياً... غير أنّ الخسارة تفوق هذا الرقم بأشواط، وفقاً لوزير العمل، شربل نحاس، الذي يطرح مقاربة جذرية أكثر شموليّة لتحقيق هيكلة
القطاع حالياً، وتربط تلك الهيكلة بإعادة صياغة المبادئ التي تحكم فكر السياسيّين.
فالقطاع، كما يعترف معدّو الخطة، وكما يؤكّد نحّاس في حديثه لـ«الأخبار»، مرتبط على نحو وثيق بكل القطاعات الأخرى، نظراً إلى تأثيره على النشاط والحركة. الخطّة
تقول إنّ الحكومة تُدرك «مدى أهمية الدور الذي يؤديه قطاع النقل البري في تنشيط التنمية والنمو الاقتصادي وتفعيلهما» عموماً. وعلى وجه التحديد، تظهر الأهمية
في دور «قطاع النقل العام للركاب على صعيد «تحسين مستوى معيشة اللبنانيّين».
لكن الخطّة ليست الوثيقة المناسبة من حيث الشمولية ولا من حيث النوعية لتحقيق ذلك. ما يحتاجه لبنان حالياً لتطوير قطاع وعكس مفاعيل تأثيره على الاقتصاد ككلّ
هو وثيقة سياسية مبدئية، تنطلق من الإقرار بأن ما ساد في البلاد في السابق هو تشوّه: من السماح بالبناء على جوانب الطرقات السريعة عبر منح رخص غير مفهومة وصولاً
إلى إهمال المناطق الريفيّة.
يُقدّم شربل نحاس ملاحظاته انطلاقاً من خبرته في عمل أداه على محاور مختلفة في محاور النقل العام والتخطيط المدني. فهو شارك في صياغة المخطّط العام لتنظيم الأراضي
اللبنانية، وكانت له مشاركة أوّلية في صياغة مخطّطات إعادة الإعمار. تلك العملية التي كانت مختلّة في صميمها. «خذ مثلاً إلغاء إنشاء محطّة أساسيّة لمترو الأنفاق
(Subway) في منطقة وسط بيروت» يقول شربل نحاس. «ألغيت تلك المحطّة كي لا يختلط رواد النقل العام الذين سيستخدمونها بالطبقة التي خُصص كرمى لها وسط البلد»؛ أي
بمعنى آخر، إبقاء الفصل الطبقي.
الحقيقة هي أنّ سياسة النقل في أي بلد تُعدّ أداةً أساسيّة لتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والعدالة والكفاءة في توزّع الفرص؛ غير أنّها في الوقت نفسه
يُمكن أن تتحوّل إلى أداة للتهميش والإفقار وتعزيز الفروق الطبقيّة كما يظهر حالياً.
فليس من المنطق بمكان أن يكون هناك اختلاف في أسعار السلع والخدمات، من الأراضي وصولاً إلى سندويش الفلافل، بنسبة 100% بين مدينتين تبعد إحداهما عن الأخرى مسافة
لا تزيد على 80 كيلومتراً. غير أنّ الوضع موجود في لبنان: بيروت وطرابلس
مثلاً!
وصل لبنان إلى وضع كهذا، بحسب نحاس، بسبب «تشتت السوق الداخلي»، فإن كان تأثير تشوّه قطاع النقل العام على الاقتصاد «مأساوياً»، أدّت عدم كفاءة وسائل النقل
في «لبنان الصغير» إلى تقسيم سوق العمل أو تشتّتها، واستتبع هذا الوضع تداعيات اجتماعية خطيرة.
بمعنى آخر، تتمثّل أسس هيكلة قطاع النقل في لبنان في تقويم الآثار الإجمالية للقطاع على حياة الناس والمفاصل الاقتصادية المختلفة. لذا، إنّ المقاربة يجب أن
تكون أكثر شمولية من المطروح حالياً، يجزم شربل نحاس.
ينطلق وزير العمل من قاعدة ذهبية: أن يكون النقل العام مربحاً ليس مسألة ضرورية؛ فنجاح القطاع من حيث تأثيره على الحركة الاقتصادية بمجملها يُمكن أن يتحقّق،
وفي الوقت نفسه تكون هيكليته ممولةً من الخزينة، أي من الأموال العامّة. «فالمردود العام الذي يولّده على صعيد خلق فرص العمل وتوحيد السوق وجدوى الوقت، وبطبيعة
الحال كلفة النقل، هو هائلة وأكبر بكثير من تقويم الخسارة المالية المباشرة التي يُمكن أن تُسجّل في حسابات المؤسّسة المعنيّة بإدارة النقل العام، عامّة كانت
أو خاصّة».
إذاً، لا يستبعد شربل نحاس إمكان إدارة القطاع الخاص للقطاع، واعتماد مبدأ الشراكة، «ما دام هناك حسن استخدام للموارد».
إدارة تلك الموارد يجب أن تنطلق من رؤية صعبة التحقّق، ربّما، غير أنّ البحث في آلية الإصلاح ضروري الآن أكثر من أي وقت، عوضاً عن تعميق التشوّهات؛ فإهمال تأثير
قطاع النقل أدّى إلى ارتفاعات صاخبة في أسعار العقارات، حيث اقتنع المواطنون مع غياب دور الدولة وسلطتها وتطبيق قوانينها بأنّه يُمكن البناء أينما كان دون احترام
تصنيف للأراضي، ومضت السياسة العامّة على مسار معوجّ تُمنح في إطاره رخص البناء من دون وعي لآثارها، نبتت فيه المجمعات التجارية ومحطّات البنزين والمحال التجّارية
كالفطر أينما كان. وهكذا يُمكن تفسير كيف أنّ الطريق السريع الذي ينطلق من بيروت جنوباً يصل إلى صيدا ويُحوّل إلى داخل المدينة!
والصعوبة تنشأ أيضاً من واقع أنّ المستفيدين من نمط كهذا، بعلاقاتهم الانتفاعية والسياسية، سيقاومون أي حالة تصحيحيّة؛ تلك المقاومة يجب أن تُدار بسياسة حكومية
رشيدة، مع التشديد دوماً على أنّ هيكلة قطاع النقل ليست بشراء الباصات كما يفترض غازي العريضي، بل بالبحث جدياً في كيفيّة إعادة صياغة خريطة النقل في لبنان
بمنظور شفاف اقتصادي اجتماعي.

25 في المئة

فائدة سندات الخزينة التي موّلت شراء الباصات عام 1996، حسبما يستذكر شربل نحاس، فيما كان هناك قرض ميسّر بفائدة 7.5% لهذه الغاية!

1.3 راكب

معدّل الركاب لكلّ سيارة وفقاً للتقديرات الحالية؛ وأحد أسباب هذا الرقم المخيف اقتصادياً وبيئياً هو غياب نظام نقل عام فعال وحيوي

الزمن الجميل

شوّهت السياسات غير الرشيدة قطاع النقل كلياً بعد الحرب. فقبل عام 1975 كان لبنان يتمتع بترامواي في مدينتين كبيرتين، وكانت هناك سكة حديد. كذلك إن خطوط النقل
كانت محددة بدقة جغرافياً وزمنياً. انهارت الأمور تقنياً وسياسياً، لدرجة أنّ شراء الباصات في منتصف التسعينيّات، تمّ مواربة عبر سندات خزينة، يُعلّق شربل نحاس.

No comments:

Post a Comment