Friday, September 23, 2011

> السلفيّة في صيدا: الفزّاعة والحـقيقة

السلفيّة في صيدا: الفزّاعة والحـقيقة

في صيدا حراك. الأمر واضح. حراك لا يشبه غيره من مدن لبنان. يكثر الكلام على الأسباب. أيقظت أحداث سوريا وتراكمات أخرى «القرية الكبيرة» من سبات طال لسنوات.
في السياسة، كما في الدين والمجتمع، تحليلات، قراءات، استنتاجات وهواجس كثيرة عن اكتشاف جديد أطلق عليه «السلفية»

نادر صباغ

منذ فترة، والكلام يتزايد في وسائل الإعلام وبين الناس، في صيدا أو خارجها، على ظاهرة جديدة أطلق عليها اسم «السلفية». ظاهرة بدأت تطل برأسها من مساجد المدينة
باتجاه شوارعها. سلفية اكتشف البعض وجودها فجأة، وكأنها أمر يحدث بين ليلة وضحاها. وكأن قسماً كبيراً من الصيداويين غفا على إسلام تقليدي عادي، ليصحو على أصولية
سلفية تطالب بإمارة إسلامية، وتهدد بقلب المعادلات السياسية القائمة في المدينة.

لم تعتد صيدا منذ زمن طويل أن تكون في واجهة الحدث. الواقع السياسي الذي تعيشه المدينة منذ أكثر من ربع قرن، جعلها تنام في سبات لا تصحو منه إلا لماماً، في مواسم
محدودة.
اليوم حتى الأفرقاء المختلفون في السياسة يجمعون على أن هناك بالفعل قوة إسلامية صاعدة في المدينة، تختلف قراءتها كظاهرة. ولأن «التنميط» أهون ما يكون في إطلاق
الأحكام، فكان ثوب السلفية تفسيراً لما لا يعرف تفسيره، يساعد في ذلك الأحكام المسبقة التي تطلق على المظهر العام.
تميزت عاصمة الجنوب منذ منتصف القرن الماضي باحتضانها للحركات القومية والوطنية واليسارية التي وجدت في صيدا أرضاً خصبة للعيش والتكاثر. وعرف عن معظم الصيداويين
تعاطفهم مع القضايا ذات البعد القومي والعروبي.
في كل تلك الفترة، لم تغب الهوية الإسلامية السياسية عن المدينة. كانت تحضر دوماً بتفاوت. تقوى حيناً، وتخبو أحياناً. تشكلت بأشكال عديدة، من العمليات المقاومة
لإسرائيل حتى التنافس على مقاعد بلدية أو مختار محلة.
اليوم، يكثر الحديث عن قوى إسلامية يجري تصنيفها تحت مسمى «سلفية». قوى بدأت بتنظيم قواعدها والظهور استعداداً للقيام بدور مرتقب في الفترة المقبلة، كما يرى
البعض. فهل فعلاً تغيرت صيدا فجأة؟ وما حقيقة هذه القوى الإسلامية؟ وهل تمثّل تهديداً لأحد، أم أن تضخيمها أمر يجري التلاعب به؟

مبالغات

ما إن تَطل اللحية أكثر من أربعة سنتمترات، وتستبدل القبعة الرياضية بقلنسوة مثلاً، أو تنافس العباءة بنطلون الجينز حتى يصبح صاحب هذه الصفات سلفياً. في السياسة
كما في الحياة العامة، ماذا يعني ذلك؟ أكثر الناس لا يعلمون. يكفي أن تتوافر معطيات الشكل حتى يصنف صاحبه بمسميات عديدة: وهابي أو سلفي أو أصولي أو متزمت، أو
متشدد.
تكثر في صيدا اليوم هذه الأشكال. بدأ الأمر منذ مدة، لكن أحداً لم يُعره انتباهاً. توحد القوى الإسلامية على اختلاف مشاربها تجاه ما يجري في سوريا ونزولها إلى
الشارع، جعلها مرئية أكثر من ذي قبل. ولأن اللحى كانت كثّة في تلك المناسبات، حضرت الصبغة السلفية.
يؤكد مصدر متابع للعمل الإسلامي في صيدا أن هناك الكثير من المبالغات في توصيف واقع الحالة الإسلامية في المدينة اليوم أو تصنيف قواها. ويشرح «أن الحالة السلفية
الإسلامية غالباً ما ترتبط في أذهان الكثير من المسلمين أو حتى غير المسلمين بالشكل، فتطلق التسمية على كل مظهر من مظاهر التدين أو تطبيق للسنّة دون دراية بحقيقة
المضمون أو ما يطرحه صاحبه. فإذا كانت اللحية والعباءة مؤشراً على تسمية سلفية، فإن مفتي الجمهورية يصبح عندها سلفياً، وإذا كان العمل على رعاية الكتاب والسنّة
سلفياً تصبح دار الفتوى وسائر الحركات والجمعيات الإسلامية سلفية».
في هذا السياق، يؤكد ناشط إسلامي مطّلع على ما تشهده المدينة «أن القوى الإسلامية التي يجري الحديث عنها كأنها هبطت فجأة من المريخ، ليست وليدة اللحظة وإن كان
تناولها في وسائل الإعلام قد بدأ بعد مواقفها الأخيرة من الأحداث التي تجري في سوريا. فكثير من هذه القوى موجود وفاعل في صيدا منذ سنوات، وإن حصرها بالسلفية
يفتقر إلى الموضوعية أو الفهم الدقيق، باعتبار أنها لا تنضوي أصلاً تحت هيكلية موحدة. فمنها من يمارس العمل الاجتماعي وتقديم المساعدات، ومنها من يمارس العمل
التعليمي، ومنها من يمارس العمل الدعوي».
ويرى الناشط أن «التركيز في هذه الفترة بالذات على موضوع السلفية في صيدا يبدو كأن الهدف من ورائه خلق فزاعة ما تحضيراً لأمر ما، ولا سيما أن المدينة لم تعرف
في تاريخها المعاصر ظاهرة ما يعرف بالسلفية الجهادية، التي غالباً ما تستخدم للتخويف والترهيب. وإن ما سجل من حالات لهذه المدرسة الفكرية في صيدا لم يتعدّ كونه
حالات فردية معدودة، وهو أمر يحصل في أي مكان في العالم، وقد حصل في لندن وضواحي باريس أكثر مما حصل في صيدا».
ويتابع: «لأن السلفية كلمة فضفاضة قد تضم أموراً تبدأ بذبح أبي مصعب الزرقاوي للرهائن أمام الكاميرات، ولا تنتهي بإغاثة الملهوف في الصومال، فإنه يجري استغلالها
بما يخدم مصالح الذين يركزون عليها اليوم، كتجييرها لتخويف مسيحيي شرقي صيدا، أو المحيط الشيعي للمدينة، أو تداخلها مع فصائل جهادية معروفة داخل مخيم عين الحلوة،
علماً بأن السلفية لا علاقة لها بكل ما يلصق بها».
صيدا تتغير، الأمر أكيد، لكنه تغيّر لم ينقل المدينة فجأة، من ضفة إلى أخرى، كما يحلو للبعض أن يصوّره. ما تشهده المدينة هو نتاج تراكمات وسنوات من العمل الدؤوب
الذي لم تكتمل معالمه النهائية بعد، وإن جاءت ردود الفعل على أحداث سوريا لتظهر بعضاً من أشكاله المستقبلية. لكن الأكيد، برأي عارفين، أن صيدا لن تتحول إلى
قندهار... للمتخوّفين فحسب.

No comments:

Post a Comment