Friday, September 30, 2011

> دليل الاتصالات... لا دليل

دليل الاتصالات... لا دليل
يحيى دبوق

القرار الاتهامي الصادر عن المدّعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان، دانيال بلمار، بحق أربعة أشخاص «مناصرين لحزب الله»، كما يرد في الفقرة 59 من القرار نفسه، يستند،
كما بات معروفاً، إلى الدليل الظرفي، المستند بدوره، وبنحو شبه كامل، إلى تحليل «داتا» الاتصالات الخلوية في لبنان. وإذا كان النقاش قد تمحور أخيراً، وعن حق،
حول قيمة الأدلة الظرفية، وإمكان اعتمادها والبناء عليها كدليل إثبات أو نفي من ناحية قضائية في سياق الاتهام والإدانة، إلا أنه يجب، مسبقاً وقبل ذلك، النقاش
في أصل وجود هذه الأدلة وقيامها من ناحية فعلية، قبل وصفها بأنها أدلة ظرفية أو أدلة قاطعة، أي قبل أي سجال بشأن فاعليتها وقوة إثباتها. إذا تبيّن، أو إذا أثيرت
الشكوك المعتبرة والممكنة واقعاً في أن عمليات ربط وتحليل داتا الاتصالات تشوبها شائبة، أو أن أصل الداتا مشكوك في صحته ودقته، أو أن بإمكان طرف ما أن يتلاعب
بها، فلا إمكان بالتالي، لانتفاء المطلب، اعتبار «الأدلة» المستندة إليها، أدلة أساساً، وبالتالي لا حاجة إلى وصفها بظرفية أو قاطعة، فسلب الثقة بالدلالة عن
الأدلة، ينفيها، ويحوّلها إلى نتائج مشكوك فيها، على أقل تقدير.
في الماضي غير البعيد، أقرّ المسؤول السابق عن العمليات التنفيذية في الموساد الإسرائيلي، غاد شمرون، (القناة العاشرة الإسرائيلية 16/12/2010)، في سياق تعليقه
على اكتشاف أجهزة تنصّت إسرائيلية في جبال صنين، بأن «تجسّس إسرائيل على لبنان ليس جديداً، خصوصاً أن لديها قدرات تنفيذية مهمة جداً وقدراتها غير محدودة»، مؤكداً
أنه «في عالم الاستخبارات، لا يوجد ما هو غير ممكن».
في الماضي البعيد نسبياً، والبعد هنا ذو دلالات تتعلق بقدرة التجسّس الإسرائيلية الفعلية، نشرت صحيفة «هآرتس» تقريراً أشارت فيه إلى أن علماء إسرائيليين في
كلية «التخنيون» في جامعة حيفا اكتشفوا طريقة لاختراق شبكات الهواتف الخلوية العاملة بنظام GSM، الأمر الذي يُمكّن من التنصّت على المكالمات الهاتفية، وإرسال
الرسائل والمكالمات وتلقّيها، من دون أن يدري أصحابها الحقيقيون بما يجري، وفي الوقت نفسه إيهام شبكات الهاتف الخلوي ومراكز التحكم فيها بأن الاتصال طبيعي ولا
شائبة فيه.
خبر «هآرتس» (المنشور بتاريخ 03/09/2003)، أخرج في حينه نقاشات تقنية في مناعة نظام الـGSM وضعف أنظمة حمايته إلى العلن، وأسّس لندوات ومؤتمرات حول العالم،
شهدت بدورها على ضعف الحماية وإمكانات الخرق، وأيضاً على المستوى الذي وصلت إليه الاستخبارات والأجهزة الأمنية، وما تملكه من تقنيات خرق وتنصّت في هذا المجال.
إلا أن متابع الشأن الإسرائيلي توقف بدوره عند حقيقة واضحة في دولة كإسرائيل، هي أن الرقيب العسكري في تل أبيب ما كان ليمكّن وسائل الإعلام من أن تنشر «كشفاً»
خبرياً كهذا، متولّداً في إسرائيل نفسها، لو لم تكن قدرات الاستخبارات فيها قد قطعت أشواطاً بعيدة جداً في مجالات الخرق والتنصّت، أكثر بكثير مما أُعلن.
من عام 2003 إلى عام 2005، العام الذي شهد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، وصولاً إلى عام 2011، شهد «قطاع التنصّت» وخرق الشبكات انتقالاً نوعياً في إسرائيل
والعالم، وتمدّدت مجالات استخدامه وإمكانياته، ولم تعد مقتصرة، وحكراً فقط، على الاستخبارات و«تجارب» العلماء في المراكز البحثية، بل انتقلت عملياً إلى السوق
المدني، كأداة في صراع الشركات التجارية، بل أكثر من ذلك إلى استخدام الهواة ومحبّي الإثارة.
أخيراً، عرضت القناة الأولى الإسرائيلية، قبل أيام، تقريراً عن «قطاع التنصّت» وقدراته، وما بات متاحاً للعامة والهواة فضلاً عن الاستخبارات. يشير التقرير بوضوح
إلى أن في إمكان أي هاوٍ أن يخترق الشبكات ويتسلّط على الخطوط ويتحدث منها ويتلاعب بها. السؤال هو: إذا كان الهواة قادرين على ذلك، فكيف باستخبارات إسرائيل
التي يشهد الجميع على علوّ كعبها في قطاع الاتصالات والتشفير وحماية الشبكات... وغيرها.
إذاً، لدى إسرائيل، وبلا شك، القدرة التقنية الفعلية على التلاعب بداتا الاتصالات في لبنان. لا يمكن أحداً أن ينفي ذلك. في الوقت نفسه، لدى إسرائيل مصلحة في
التلاعب بالداتا، وتوجيه الاتهام إلتى أعدائها، وأيضاً لا يمكن أحداً أن ينفي ذلك. الردّ، وقد يكون هناك ردّ، بأن إسرائيل لم تقدم على ذلك، ردّ غير ذي صلة بأصل
المطلب ولا يضرّ بالنتيجة، إذ من ناحية قانونية، يكفي أن تكون لدى إسرائيل القدرة التقنية على التلاعب بالداتا، كي تنتفي عن الدليل الظرفي دلالته، وبنحو آكد،
أن تنتفي قوة إثباته، إن كان بإمكان المحكمة أن تأخذ به أساساً. فهذه هي طبيعة الأدلة الظرفية.
بالطبع قد لا ينفع ذلك مع البعض ممن يرى الأرقام والدلائل وجهات نظر. الأخبار الواردة من إسرائيل، وقدرات إسرائيل، وطبيعة الأدلة الظرفية، لا تستأهل لديهم إعادة
دراسة «الاقتناعات»، ما دامت مبنية على حقد وانسياق أعمى للتعصّب، ولا يجديها شيء إطلاقاً.

No comments:

Post a Comment