Friday, September 16, 2011

> بارود «سبور»: لم أعد كيس رمل

بارود «سبور»: لم أعد كيس رمل

يتفرّغ زياد بارود لقراءة اقتراحات القوانين الانتخابية، وهو يعدّ لإطلاق حملة لدعم النظام النسبي. يتحدث عن المرحلة السابقة التي حاول البعض تحويله فيها إلى
كيس رمل يغطي قصر بعبدا، يصوّب عليه كلما أراد إطلاق النار على الرئيس ميشال سليمان

نادر فوز

يملأ زياد بارود مكتبه الصغير في شارع مونو. عاد منذ أشهر إلى صفته المدنية وثيابه «السبور» وتسريحة شعره العادية. ترك سيارات المرافقة والبزّات المرقطة بالرمادي
والأزرق ليجلس من جديد في هذا المكتب الخشبي التي تزيّنه الخرائط الانتخابية.
ماذا يفعل زياد بارود اليوم وبمَ ينشغل؟ أسئلة كثيرة بات يطرحها البعض على أنفسهم في زحمة ترحّمهم على عهد الوزير السابق. فهم يرون الوزير مروان شربل وأداءه
وتصريحاته وأهمّها بعيد عملية تحرير الأستونيين السبعة: «هم يستحمّون ويأكلون وصحتهم جيّدة». بالنسبة لزياد بارود لم يكن عهداه الوزاريان كحلاً في عينيه، إذ
أعمت أيامه السيئة في الوزارة مسيرتَه الحكومية. الفترة الأخيرة كانت «لا تُطاق»، إذ تحوّل بارود إلى كيس رمل كما يقول، يصوّب عليه كل من يريد إصابة الرئيس
ميشال سليمان. وفي نطاق عمله، بات التعامل مع الموظفين في الوزارة أصعب من التحاور مع الوزراء ورئيس الحكومة في اجتماعات مجلس الوزراء.
أكثر ما يتذكره بارود من الأشهر الستة الأخيرة في الحكومة، السجالات المتكررة مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. فالأخير كان محصّناً ومساجلته
كمساجلة رئيس الحكومة سعد الحريري، عدا عن كون التعرّض لأي من الموظفين التابعين لتيار المستقبل يتحوّل إلى هجوم على الطائفة والتيار ومسيرة الرئيس رفيق الحريري.
توتر العلاقة بينه وبين ريفي لا يمنع بارود من الإشادة بالأخير، وتأكيده أن ريفي «هدأ وتيار المستقبل وموظفوه باتوا واعين للتغيّرات التي حصلت في السلطة».
يرى الوزير السابق أنّ الظروف تساعد الحكومة الحالية وطاقمها، باعتبار أنّ ثمة «حداً أدنى متّفقاً عليه بين مكوّنات الحكومة، والأداء السياسي اختلف اليوم»،
ويعتبر أنّ موضوع تمويل المحكمة «سهل» أمام المآزق التي «كنا نقع فيها، إذ كانت أقلّ كلمة تثير سجالاً بين الوزراء».
يقول بارود إنه حاول تفادي توزيره بعد الحكومة المنبثقة من انتخابات 2009، باعتبار أنه قد أنهى «ما أتيت لفعله في الوزارة ولا أريد دخول زواريب السياسة». رأى
حينها أنه قد أنهى مهمّته في إدارة الانتخابات التي كانت بحاجة إلى شخصية حيادية في ذلك الظرف السياسي الذي ساده الانقسام الحاد بين فريقي 8 و14 آذار. يتابع
بارود أنه أعاد طرح هذا الموضوع مع الرئيس ميشال سليمان في مرحلة تأليف الحكومة الحالية، فزار بعبدا للطلب نفسه، سائلاً سليمان ألا يسميه للوزارة. يضيف بارود
إنه تلقى أكثر من طرح في ذلك الحين، أهمّها انتقاله من الداخلية إلى العدل، لكن في هذه الحال «يا عين! في الداخلية للوزير سلطة ما على الضباط والموظفين، أما
في العدل فالقضاة سلطة منفصلة».
يتحدث بارود بكثير من الخيبة عن المرحلة السابقة، يظهر ذلك في نظرته وحركات يديه وطأطأة رأسه. وبصوت خافت يشير باستهزاء إلى التحليلات عن دعم العماد ميشال عون
له، بعدما تبيّن أنّ الوزير تعرّض لنار تكتل التغيير وزيت تيار المستقبل وقوى 14 آذار. فتهاوت مع هذه الحملات صورة زياد بارود، الشاب الحقوقي المهني والنشيط،
وتحوّل إلى وزير «منبوذ» من الجميع، وسليمان غير قادر على حمايته. اليوم يحاول بارود استعادة تلك الصورة. يعود إلى مكتبه، حيث صورة «عدد من طلابي يشاركون في
تظاهرة في ساحة النجمة تدعو إلى الحريات عام 1997» ورسوم تتعلّق بالديموقراطية. في المكتب نفسه، خريطة انتخابية مسنودة على الحائط، بالقرب منها صندوق انتخابي
بلاستيكي شفاف، فيه قصاصات وأوراق تعود إلى زمن الوزارة. يقول باعتزاز «كنت مرشح تسوية لتنظيم الانتخابات»، مشيراً إلى صعوبة إقناع أي كان بأنه «ليس لديّ أي
جموح أو ميل أو طموح للترشّح في الانتخابات المقبلة». يستحوذ هذا الملف على معظم وقت بارود، ونشاطه في هذا الإطار وصل إلى المحيط العربي، إلى تونس التي زارها
قبل مدة لتقديم استشارات بشأن قوانين الانتخابات الممكن تطبيقها في هذا البلد بعد الثورة الشعبية. يبدي إعجابه بالتجربة التونسية، حيث جرى تبني إصلاحات واسعة،
أولها اعتماد إنشاء هيئة مستقلة بالكامل للإشراف على الانتخابات النيابية، فضلاً عن فرض الكوتا النسائية والشبابية في الترشيح.
وعلى صعيد القانون الانتخابي أيضاً، يتواصل بارود في هذه المرحلة مع الوزير السابق بهيج طبارة، ويهيّئان معاً لمشروع ما يتعلّق بالنظام الانتخابي النسبي. يقول:
«ليس موضوع حزب ولا تيار ولا حركة ولا تجمّع»، إنما ربما مجرّد حملة للمطالبة بالنسبية وتوعية الناس إلى هذا الموضوع. يؤكد أنه وطبارة لم يدخلا بعد في تفاصيل
هذا النقاش، ولكن بالحد الأدنى «هو رجل يمكن الحكي معه ويمتلك مستوى تفكير عال». لا يزال بارود متكتماً على هذا المشروع، لا يثيره مع ضيوفه ولا يبادر إلى الحديث
عنه، فـ«يزركه» توجيه السؤال له عن هذا الموضوع، باعتبار أن لا شيء معدّاً ولا خطة جاهزة.
محاولة حراك بارود على الصعيد «النسبي» تترافق مع توقعاته المتشائمة بإمكان إقرار الطاقم السياسي اللبناني نظاماً انتخابياً على أساس النسبية. فالوزير السابق
يرى وجود حسابات كثيرة تجريها الأطراف والأحزاب، وتفضي جميعها إلى استحالة موافقتها على النسبية نظراً إلى مصالح مباشرة أو غير مباشرة. يمتلك بارود الكثير من
الملاحظات على اقتراحات القوانين الانتخابية، الجدية وغير الجدية، وأكثر ما يثير اعتراضه هو طرح النائب السابق إيلي الفرزلي: وضعنا مهترئ، فهل نضاعف الاهتراء؟

No comments:

Post a Comment