Saturday, September 10, 2011

«ثالوث» أنطاكية وسائر المشرق
سليمان فرنجية
ساهمت الطوائف في عالمنا العربي على مر عصور الاضطهاد، في تعزيز اواصر الانتماء القومي، فظهر هذا الدور جلياً عقب نشوء كيان اسرائيل في فلسطين، فكانت الطوائف
تعمل في خدمة القضية العليا الضامنة للجميع من دون استثناء.
سارعت الدول الغربية الداعمة لاسرائيل الى تفكيك تلك الظاهرة، فحوّلت المسلم العربي الى عربي مسلم والمسيحي العربي الى عربي مسيحي، مستغلَة هشاشة بعض الهوامش,
فزرعت الفرز الطائفي في النفوس، ليمتدّ كالنار في الهشيم...
ارتاحت اسرائيل، وأخذت تتمادى احتلالاً، وتتغذّى عمالةً، وتتنفّس مجازر... فتدلّلت تسويات منفردة على الطريقة الساداتية الخاضعة!
غير أن النفس العربية عامة لم تمت، بل كانت مخدّرة بالطائفية حيناً، وبالرأسمالية النفطية البلاطية حيناً آخر، وبالإقطاعية الباريسية معطوفة على اموال العمالة
أحياناً، ليتبيّن في الامس القريب أنها كانت تتحيّن الفرصة للانقضاض على واقع أرادوه لها غصباً وتهويلا.
في سوريا «الدولة» شوائب عديدة واجبة التصحيح، وحسنات جمّة واجبة الصون. أمّا في سوريا «الإقليمية» فهناك ما يشبه زمن جمال عبد الناصر، حيث استطاعت وضع الطوائف
في خدمة القضية كما كان الحال عليه في السابق قبل الزمن الإسرائيلي المترافق مع زمن الغباء العربيّ.
اليوم نحن أمام محاولات «إصلاح» الغرب لسوريا الإقليمية وفقاً للتقويم الأميركي والاسرائيلي استطراداً، والنفطي أكثر استطراداً، وليس وفقاً للتقويم «المقاوماتي»
المحق، أما سوريا الدولة فهي غير معنية على الاطلاق بتكنولوجية فضائيات الصحون غير اللاقطة والبطون المنتفخة والنفوس المترهلة والقصبات المنتصبة...
يريدون لسوريا الاقليمية أن تسقط بنيران سوريا الداخلية وبالتحديد من خلال التهام طوائفها وشعبها لبعضه البعض لتنتهي بنهش اللحوم و«كرع» الدماء، فتأكل الكبيرة
الصغيرة لتسقط الصيغة وتسقط معها سوريا الدولة وسوريا الإقليمية في آن.
حقيقة، لم يتوان بطريرك الموارنة عن المجاهرة بها بموضوعية قلّ نظيرها مستنداً إلى عبر التاريخ والجغرافيا، كيف لا وهو بطريرك انطاكيا وسائر المشرق، فهو لم
يتطفل على الموضوع، بل إن كلّ ما قاله هو في صلب دوره المشرقيّ الموروث من الدويهي والحويك والمعوشي وغيرهم، آخذاً بعين الاعتبار كِلا الهاجسين: القومي العربي
والمسيحي على حد سواء.
صحيح أن بطريرك الموارنة يعيش هاجس مسيحيي سوريا كما المنطقة بأسرها، بعدما شاهد ما شهده مسيحيو العراق وفلسطين من اضطهاد حيث الآلة «الإصلاحية الأميركية» جاثمة،
إلاّ أنه ساند وعن سابق تصور وتصميم «مؤسسة» العلمنة السياسية من موقعه كرجل دين، على اعتبار أنها الضامنة للعدالة السياسية التي لا تقوم على الإلغاء والتنكيل
والإبادة للجماعات، ليتوّج خطابه بإعادة التركيز على الإنتماء التام للقضية العربية المحقة. ويكون الراعي بذلك قد كرّس ثالوثاً مترابطاً متناسقاً قوامه العلمنة،
العروبة، والوجود المسيحي في الشرق.
ومن هذا المنطلق، لا يسعنا سوى القول وبحزم، حذار الاستهانة بهذا الثالوث أو التصويب عليه من اهل البيت أو من خارجه لأنه عند ذلك يكون قد ظهر المستور في مرحلة
تهاوي مشروع «العرعور» وثبوت صلابة انطاكيا وسائر المشرق.

([) المسؤول الإعلامي في «تيار المرده»

No comments:

Post a Comment