Wednesday, September 7, 2011

ضرب ميقاتي يده على الطاولة قائلاً لباسيل: إما أن تمشوا بالخطة معدّلة وإما أمشي الحكومة أقوى من الكهرباء: تلازم الضوابط والضمانات
أقرت الحكومة بالإجماع، وبعد «مخاض عسير» و«عض أصابع»، خطة الكهرباء التي يفترض بها في مرحلة أولى أن تحول دون غرق لبنان في العتمة، على ان تقود على المدى الطويل
إلى تأمين التغذية بالتيار 24 ساعة على 24، في حال توفرت الشروط المطلوبة.. وصفت النيات.
ويمكن القول ان الخطة المعتمدة «حمّالة أوجه»، على الطريقة اللبنانية، وهي حققت لكل فريق بعضا مما يريده وأخذت منه بعضا مما كان يطلبه، لتجمع في وعائها بين
ما يكفي من الضوابط التي أصر عليها الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط وبين ما يكفي من الضمانات التي تطمئن العماد ميشال عون، بما يتيح لأطراف الحكومة
ان تظهر جميعها رابحة في المكاسب او متساوية في التنازلات، ليحصل بذلك التلاقي الاضطراري في منتصف الطريق، علما ان الرحلة من الظلام نحو الضوء لم تنته بعد،
بل هي بدأت للتو، وما تزال تنتظرها استحقاقات وتحديات كبرى.
ولئن كانت كل قوى الحكومة شريكة بهذا القدر او ذاك في الإنجاز الذي تحقق أمس، إلا انه يسجل للعماد عون انه أعطى قوة دفع للخطة الكهربائية، سمحت بتحولها من مجرد
نظرية الى خريطة طريق.
وينص مشروع قانون البرنامج المعجل الذي أقره مجلس الوزراء على إنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع طاقة كهربائية وتخصيص اعتماد عقد إجمالي قدره 1772 مليار ليرة لبنانية،
بحيث يجاز للحكومة عقد كامل لهذا الاعتماد والمباشرة في التنفيذ قبل توفر الاعتمادات اللازمة للموازنة، على ان السمة البارزة للمشروع تجزئة التمويل على أربع
سنوات عبر تخصيص 414 مليار ليرة سنة 2011 ، و461 مليارا سنة 2012 ، و418 مليارا سنة 2013 ، و380 مليارا سنة 2014. ويجاز للحكومة إيجاد مصادر تمويل من خلال قروض
ميسرة أو إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية او بالعملات الاجنبية.
وبالتأكيد، فإن معظم اللبنانيين لم يأبهوا كثيرا للسجال الذي سبق وواكب إقرار الخطة، سواء كان تقنيا او سياسيا، والأرجح ان معظمهم لم يتابع الأخذ والرد حول
التفاصيل الفنية التي تحتاج الى خبراء وأصحاب اختصاص. ما يهمهم بالدرجة الأولى استعادة أحد الحقوق البديهية في القرن الواحد والعشرين وهو الحصول على الطاقة
الكهربائية بشكل طبيعي والتخفيف من كلفة الفواتير الرديفة التي تترتب على الاستعانة بالمولدات الخاصة وغيرها من أشكال الإنارة الاضطرارية.
وإذا كانت الوعود الرسمية السابقة بإنارة لبنان 24/24 قد ذهبت أدراج الرياح بعد إنفاق مليارات الدولارات هباء، فإن الوعد الجديد وأصحابه سيكونون على المحك وسيخضعون
أولا الى رقابة الرأي العام قبل رقابة الاجهزة المختصة في الدولة، ذلك ان اللبنانيين ما عادوا يحتملون المزيد من التجارب غير المضمونة والمناورات التي تقتات
من لحمهم الحي، وبالتالي لن يكون مقبولا ولا مسموحا التفريط مرة أخرى بالفرصة الجديدة وربما الأخيرة.
ومع التوافق على خطة الكهرباء في مجلس الوزراء، يفترض أن تكون طريقها الى مجلس النواب قد أصبحت سالكة وآمنة، حيث تستطيع مكونات الأكثرية الجديدة ان تضمن حصولها
على أصوات الأغلبية النيابية بمعزل عن موقف فريق 14 آذار.
وأبعد من الجانب التقني، يحمل إقرار خطة الكهرباء مؤشرات سياسية بالغة الدلالة، ومن أهمها ان الحكومة محصنة ومحمية بما يكفي لمواجهة التحديات التي تواجهها من
داخلها، وأن أيا من مكوناتها ليس في وارد إسقاطها في هذه المرحلة، حتى لو ذهب هذا الفريق او ذاك بعيدا في تكتيكاته وضغوطه لتحصيل ما أمكن من المكاسب.

ميقاتي: تجاوزنا القطوع
وقال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«السفير» بعد الجلسة ان الحكومة تجاوزت قطوعا حساسا بعد الضجيج الذي أثير حول ملف الكهرباء، وحققت إنجازا مهما جدا للدولة وللمواطن،
اذ تم التوافق على كل بنود المشروع لا سيما لجهة توفير الضوابط له من كل النواحي فخرج الجميع مرتاحا، خصوصا ان مجلس الوزراء مجتمعا هو من سيشرف على كل نواحي
المشروع.
وردا على سؤال عما اذا كان يضمن مرور المشروع في المجلس النيابي، اجاب: ان مجلس النواب سيد نفسه، ونحن سنعرض المشروع على المجلس وسندافع عنه في كل تفاصيله،
والمجلس يتخذ قراره، ونحن سنمتثل لما يقرره ولا ننتقص من دوره، وإذا أراد إضافة امر ما في اي بند وبشكل منطقي فلا مانع لدينا، فكل ما يهمنا هو مصلحة المواطن
ولا نظن ان المجلس النيابي سيفرط بمصلحة المواطن. وطالما اننا وضعنا كل الضوابط اللازمة فلا اعتقد انه ستكون هناك مشكلة كبيرة لدى النواب.
وعن المشاريع المقبلة التي ستبحثها الحكومة، اكد ميقاتي ان هناك الكثير من الامور يجري بحثها من ضمنها الضمان الصحي والاجتماعي وضمان الشيخوخة، وقال: لكن ما
يهمنا حقيقة هو ضمان استمرار الاستقرار في لبنان في ظل التوتر الحاصل في المنطقة، والحمد لله ان لبنان هو البلد الاكثر أمنا واستقرارا حتى الآن، ولدينا كل يوم
ربيع عربي نتيجة اللعبة الدستورية والديموقراطية القائمة، والتي نأمل في ان تبقى ضمن ضوابط الدستور والمؤسسات حتى يبقى الاستقرار، وهذا ما نسعى اليه ونعمل لأجله.

باسيل: الحكومة انتصرت لنفسها
أما وزير الطاقة جبران باسيل، فقد ابلغ «السفير» ان ما حصل ليس انتصارا للتيار الوطني الحر أو لأي فريق آخر داخل الحكومة، بل هو يعبر عن انتصار الحكومة لنفسها
من خلال احترام بيانها الوزاري الذي يلحظ معالجة أزمة الكهرباء ومن خلال انسجامها مع الشعار الذي رفعته «كلنا للعمل».
وعما إذا كان التيار قد قدم تنازلات جوهرية، قال باسيل: نحن أكدنا منذ اللحظة الاولى اننا نريد ان نأكل الكهرباء لا ان نقتل الناطور، وقد نضجت أمس الوجبة الاولى
التي يفترض ان تليها وجبة أخرى في مجلس النواب، وأضاف: بالنسبة الينا المهم هو تنفيذ مضمون المشروع أما الشكل فليس مهما.
سجال ما قبل الاتفاق
وسبق التوافق على الخطة سجال حاد داخل مجلس الوزراء، وخصوصا بين الرئيس ميقاتي والوزير باسيل. وعلم ان ميقاتي انفعل في إحدى اللحظات وضرب يده على الطاولة مخاطبا
وزير الطاقة بالقول: عودتمونا ان تجلسوا على الطاولة وتضربوا بيدكم عليها وتقولوا إما السير بخطتنا أو نستقيل.. أنا أقول لكم إما ان تمشوا بخطة الكهرباء معدلة
وإما أمشي أنا..
وقالت أوساط رئيس الحكومة لـ«السفير» ان مشروع القانون تضمن الضوابط المالية والادارية والفنية والقانونية التي كان يتمسك بها ميقاتي منذ اللحظة الاولى، لا
سيما لجهة تكليف ادارة المناقصات بإجراء المناقصات لتنفيذ المشروع، مشيرة الى انه لم يتوقف عند تهديد البعض بالاستقالة او الانسحاب من الحكومة او شل عملها،
بل قرر المضي في وضع الضوابط حتى النهاية تحت طائلة اعلانه موقفا مما كان يجري ووصل الى ما يريد، لافتة الانتباه الى ان الصيغة التي تم التوصل اليها حفظت هيبة
الدولة ككل.
وأبلغت مصادر وزارية «السفير» ان الصيغة المعتمدة مطاطة في العديد من جوانبها وتحتمل تفسيرات وتأويلات عند كل مرحلة من مراحل التنفيذ، مشيرة الى انها تنطوي
على «غموض بنّاء»، فرضته متطلبات إنجاز التسوية في ربع الساعة الأخير.
ولفتت المصادر الانتباه الى ان الطبعة الأخيرة من المشروع تم وضعها تحت ضغط السباق مع الوقت ووجوب إيجاد مخرج يوافق عليه الجميع، ما جعله يتضمن بعض الالتباسات
الضمنية، معتبرة ان النقاش لم يشمل عمق الإشكاليات من بينها ان زيادة الطاقة الانتاجية بمعدل 700ميغاوات كما تلحظ الخطة، من دون تعديل التعرفة، سيرتب زيادة
في عجز الكهرباء من مليارين ونصف مليار دولار الى اربعة مليارات ونصف مليار.
مفاوضات النهار
وكانت الاتصالات قد تكثفت نهار امس لاستكمال هندسة المخرج الملائم، فاستقبل ميقاتي الوزيرين جبران باسيل ومحمد فنيش، ثم انتقل الى المجلس النيابي حيث التقى
الرئيس نبيه بري بحضور معاونه النائب علي حسن خليل، كما زار بري رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي كان يواكب المفاوضات في مختلف مراحلها.
وبعدما اتفق على ان تؤمن وزارة المالية مبلغ 600 مليون دولار لتغطية العامين الاولين من المشروع، تركز النقاش في الساعات القليلة التي سبقت انعقاد جلسة مجلس
الوزراء على كيفية تمويل حاجات عامي 2013 و2014، وكان رأي اطراف في الحكومة ان يصار الى الاتصال بالصناديق العربية او البنوك الاوروبية المانحة لتمويل المبلغ
المتبقي، فيما كان رأي وزراء تكتل التغيير والاصلاح ان يتم التمويل من قبل الدولة لأن التمويل من الخارج يستغرق وقتا، على ان تقدم الحكومة ضمانات بالتزام تأمين
الدفعات المطلوبة خلال السنتين المقبلتين بما يسمح بتنفيذ المشروع في الوقت المحدد.
وكان قد جرى الاتفاق في المفاوضات السابقة على مبدأ الإجازة للحكومة، والتنسيب لوزير الطاقة، والإحالة الى المجلس النيابي بصيغة مشروع قانون لا اقتراح قانون
نيابي، وتشكيل مجلس ادارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، وتعديل القانون 462 المتعلق بإنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء.
وفي أعقاب جلسة مجلس الوزراء صرح ميقاتي انه تم وضع بعض الضوابط، وجرى تقسيم الصرف الذي سيحصل، حيث بقي المبلغ كما هو للعام 2011، « ولكن قلصنا المبلغ الذي
سيصرف في العام 2012 ليصرف خلال عامي 2013 و2014، وذلك لتخفيف أي نفقات إضافية، وأي أعباء على الخزينة اللبنانية».
وأضاف: لذلك تمت إضافة بعض النقاط على هذا المشروع التي نوقشت داخل مجلس الوزراء وهي:
أولاً: طلب مجلس الوزراء بأن أقوم شخصياً باتصالاتي لدى الصناديق والفئات الاقليمية والدولية او سواها من أجل تأمين التمويل اللازم لهذا المشروع.
ثانياً: تشكيل لجنة وزارية برئاستي وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزراء المالية والصحة والتنمية الادارية والعدل والشؤون الاجتماعية والطاقة والعمل والاقتصاد.
وهدف هذه اللجنة هو النظر بالتعديلات على القانون 462 خلال مدة أقصاها 3 اشهر.
ثالثاً: التزام القانون 462 وتشكيل الهيئة الناظمة خلال هذه المهلة بناء على اقتراح وزير الطاقة.
رابعاً: تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة أقصاها شهران.
خامساً: إجراء المناقصة المتعلقة بهذا المشروع من قبل إدارة المناقصات وفقاً للأصول المرعية.
سادساً: الطلب الى وزير الطاقة اطلاع مجلس الوزراء على كل مراحل ومسار المشاريع والمناقصات المتعلقة بهذا القانون.
وإذ شدد على ان لبنان هو الرابح والمنتصر مما جرى، أكد انه لم تتم أي مقايضة، مشيرا الى ان الحكومة صحتها جيدة وأيضاً التضامن الحكومي.
على صعيد آخر، علم ان مجلس الوزراء قرر تشكيل لجنة وزارية تضم وزراء الخارجية والداخلية والسياحة للبحث في آلية دخول الرعايا الإيرانيين الى لبنان، على قاعدة
ان تعطى تأشيرة الدخول في المطار، شرط ان تتم المعاملة بالمثل.

No comments:

Post a Comment