Saturday, September 10, 2011

> تمويل المحكمة: مَن يُورّط مَن؟

تمويل المحكمة: مَن يُورّط مَن؟
يدخل وقف تمويل المحكمة في صلب وجود حكومة ميقاتي (أرشيف ــ هيثم الموسوي)

خرج مشروع أشغال الكهرباء من دائرة الجدل داخل الحكومة، وبينها والمعارضة، كي يدخلها استحقاق آخر هو تمويل المحكمة الدولية. يتناقض موقفا طرفي الحكومة من التمويل،
لكن نزاعهما لا يمسي شغفاً ولا تمريناً سهلاً، عندما تكون الأمم المتحدة شريكاً في هذا الاستحقاق

نقولا ناصيف

بعد طيّ مشروع أشغال الكهرباء على نحو حافظ على تماسك حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ووحدتها، يُفتح قريباً ملف آخر لا يقل تعقيداً، مرشح بدوره للتجاذب بين أكثر من
طرف في الحكومة، هو تمويل لبنان حصته السنوية في المحكمة الدولية. وإذ بدت لخطة أشغال الكهرباء أهمية استراتيجية في قطاع الخدمات في حساب أفرقاء في الحكومة
كتكتّل التغيير والإصلاح، فعدّها محطة أساسية تنقض ما سبقها في التعاطي مع هذا القطاع، يدخل ملف تمويل المحكمة في صلب وجود حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومبرّرها،
وهو وقف التعاون مع المحكمة.
بات هذا التبرير أكثر إلحاحاً مع تبلغ لبنان القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 30 حزيران، أيام بعد تأليف الحكومة، وتوجيه أصابعه إلى أربعة
مسؤولين في حزب الله متهمين بالضلوع في الاغتيال، الأمر الذي لم تجبهه حكومة الرئيس سعد الحريري التي، رغم انقسام موقف أفرقائها من المحكمة، ظلّ يجمعها بتمويلها
خيط رفيع وهمي، هو انتظارهم صدور القرار الاتهامي وطمأنات راح يطلقها الرئيس سعد الحريري بأنه لن يسلّم بقرار اتهامي مسيّس.
ومع أن أياً من أفرقاء حكومة ميقاتي لم يخض رسمياً في التمويل، ولا اتخذ مواقف نهائية منه، ما خلا تأكيد رئيس الحكومة استمرار تعاونه مع المحكمة واحترام لبنان
تعهّداته الدولية التي تعني، أول ما تعني بالنسبة إليه، استمرار لبنان في تسديد حصته في نفقات المحكمة، يقارب الأفرقاء المتحفّظون عن التمويل المسألة كالآتي:
1ـــــ لم تؤلف حكومة ميقاتي كي تمثّل امتداداً لحكومة الحريري في علاقة لبنان الرسمي بالمحكمة، وتسليماً أعمى بما تقوم به تبعاً لمعايير غير قابلة للمناقشة
والشكوك. بل أطاحها أحد الملفات الأكثر التصاقاً بالمحكمة والتحقيق الدولي وتعبيراً عن تسييسها، في نظر هذا الفريق، هو ملف شهود الزور. عطّل جلسات حكومة الحريري
قبل أن تسقطها استقالة وزراء المعارضة آنذاك. وهو السبب الظاهر إلى الآن على الأقل. الأمر الذي وضع إخراج لبنان من المحكمة في أولوية إطاحة حكومة الحريري أولاً،
ثم إطاحة رئيسها ومنعه من العودة إلى رئاسة الحكومة ثانياً، ثم تسمية ميقاتي رئيساً لحكومة جديدة لا تكون على صورة الحكومة المسقطة، ولا على صورة رئيسها خصوصاً،
وتعكس غالبية نيابية مختلفة ذات موقف سلبي مسبق من المحكمة والتعاون معها وتمويلها.
2ـــــ يقول المعنيون البارزون برفض المحكمة إن التسوية التي أبرمها الحريري مع قوى 8 آذار، وأطاحها حزب الله برفضه استمرار الحريري على رأس الحكومة، تضمّنت
بنوداً اتصلت بالمحكمة كانت في صلب التسوية السياسية آنذاك، وفي صلب تنازلات قَبِلَ بها الحريري ثمن بقائه رئيساً للحكومة، وأخصّها اثنان، هما سحب القضاة اللبنانيين
ووقف التمويل. وحينما اتفق مع ميقاتي على ترؤس الحكومة ـــــ يقول هؤلاء ـــــ لبث هذان البندان في صلب التفاهم معه.
تالياً، يرى هؤلاء، في إبراز مغزى وجهة نظرهم من تفاهمهم مع رئيس الحكومة، أن الأخير لا يسعه أن يعطي الغالبية النيابية الجديدة التي سمّته أقلّ ممّا أعطاه
الحريري لها عندما كانت أقلية، وأبرمت معه التسوية ثم نقضتها بالتخلي عنه، ولا يسعه كذلك الاكتفاء برئاسة الحكومة من دون الشروط الملازمة لها، وهي وقف التعاون
مع المحكمة، بما في ذلك تمويل نفقاتها.
إلا أن هذا الموقف لا يمثّل وجهة نظر ميقاتي الذي لم يتردّد، في المرحلة الطويلة من تأليف حكومته، في تأكيد احترام لبنان تعهّداته الدولية وقرارات مجلس الأمن
والتمسّك بالعدالة ودعم محكمة دولية غير مسيّسة.
للرجل موقف مختلف أيضاً. لا يرى نفسه حلّ محلّ الحريري لتنفيذ تسوية لم تعد تطيق صاحبها ذاك، وتخلى عنها عرّاباها الإقليميان اللذان باتا الآن في نزاع مرير،
أي السعودية وسوريا، ولم يلتزم مسبقاً المضي في تلك التسوية، ويقارب علاقة لبنان بالمجتمع الدولي على نحوٍ يساعده على إمرار مشكلاته ومعالجتها لا مضاعفة تعقيداتها.
3 ـــــ يتعاطى المعنيون البارزون مع وقف التمويل على أنه موقف نهائي غير قابل للمساومة، ولا للتحايل في سبيل إخراجه من مجلس الوزراء تارة، ومن مجلس النواب
طوراً. يقولون إن المطلوب ليس إيجاد مخارج لإقرار التمويل، بل رفضه تماماً. يعكس هذا التصلّب إصرار هذا الفريق على أن المكان الوحيد لبتّ رفض التمويل هو مجلس
الوزراء، دونما البحث في بديل آخر كمجلس النواب، بالقول إن تعذّر إمراره في مجلس الوزراء يقتضي الانتقال به إلى مجلس النواب باقتراح قانون يقضي بإدخال بند إضافي
إلى مشروع قانون موازنة 2012 يتضمّن تسديد لبنان حصته في نفقات المحكمة.
يقول هؤلاء أيضاً إن المشكلة لا تكمن في البحث عمّن يورّط الآخر، مجلس الوزراء أو مجلس النواب، بل في إشهار مجلس الوزراء الموقف القاطع، وهو رفض التمويل بقرار
يصدره المجلس.
4 ـــــ على طرف نقيض من هذا الرفض، يتخذ رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط موقفاً مناوئاً مشتركاً،
هو تأييدهم تمويل المحكمة انطلاقاً من اعتقادهم أن الإخلال بهذا الالتزام أمام المحكمة، ثم حيال المجتمع الدولي، يضع لبنان في موقف مربك ويحمّله إدانة دولية
لتنصّله من التزامات كانت قد أبرمتها معه ثلاث حكومات متعاقبة بين عامي 2005 و2011، ترأس الرئيس فؤاد السنيورة اثنتين منها والحريري الثالثة، وأعاد البيان الوزاري
لحكومة ميقاتي تأكيد احترام القرارات الدولية.
إلا أن تشبّث سليمان وميقاتي وجنبلاط بتسديد لبنان حصته وتبريرهم إياها، لا يمكّنهم ـــــ بوزرائهم الـ12 ـــــ من فرض قرار التمويل الذي يكتفي لإقراره بنصاب
النصف +1، وهو بين يدي الغالبية الحكومية الممثلة بالرئيسين نبيه برّي وميشال عون وحزب الله.
يضع توازن القوى هذا رئيس الحكومة في إحراج حقيقي. وعلى غرار ما جبه عون وتكتّل التغيير والإصلاح عندما عاندا في مشروع أشغال الكهرباء إلى أن قبلا بتسوية عليه
مع ميقاتي، من غير أن يحمل عون وزراءه على الاستقالة من الحكومة أو الاعتكاف عن اجتماعاتها في أحسن الأحوال، لا يتوقع المعنيون البارزون برفض التمويل، إن رجّحت
غالبية 8 آذار في مجلس الوزراء كفّة التصويت لمصلحة رفض التمويل، استقالة رئيس الحكومة؛ إذ تستمر إرادة البقاء داخل الحكومة، برئيسها وحماية الأكثرية الحالية،
أقوى من إرادة التلاعب بنصابها أو تعريضها للإطاحة.

14 آذار تبدأ حملة استباقية

على هدي بيان عضو كتلة المستقبل النيابية سمير الجسر أول من أمس، بدأت قوى 14 آذار ما يشبه حملة التحذير من تخلي الحكومة عن «التزاماتها» بشأن تمويل المحكمة
الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. عضو كتلة المستقبل، الوزير السابق جان أوغاسابيان، رأى أن «أيّ تلكؤ في ملف تمويل المحكمة الدولية يعدّ إخلالاً
بالتزامات لبنان الدولية، ويأخذ لبنان إلى مواجهات مع المجتمع الدولي». واستغرب أوغاسابيان قول وزير العدل شكيب قرطباوي «إن هذا الأمر يجب أن يناقَش» سائلاً:
«كيف يناقَش أمر التزم به لبنان تجاه المجتمع الدولي؟».
بدوره، اقترح عضو كتلة القوات النيابية جوزف المعلوف سبيلاً لإقرار تمويل المحكمة لم يخطر على بال أحد من السياسيين سابقاً. فقد رأى المعلوف أن إقرار ذلك البند
الخلافي «يمكن أن يجري عبر توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة». أما زميله، عضو كتلة المستقبل خالد زهرمان، فتوقع ألا تتمكن الحكومة من الاتفاق على بند التمويل،
مؤكداً أن القرار النهائي في هذا الشأن سيكون لحزب الله، الذي يصف المحكمة بالإسرائيلية. وفي السياق ذاته، كرر عضو جبهة النضال الوطني النيابية، وزير المهجرين
علاء الدين ترو، موقف كتلته المؤيد لتمويل المحكمة، إذ قال: «لنا رأينا الخاص في الموضوع، وسنوافق على بند التمويل إذا طُرح في مجلس الوزراء». وأكد ترو «أن
الجسم الحكومي غير معرض للاهتزاز بشأن ذلك»، لافتاً «إلى وجود موقف واضح لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي».
في سياق متصل بالمحكمة، لكن بعيد عن التزام لبنان تمويلها أو عدمه، اعتمد رئيس مكتب الدفاع في المحكمة الخاصة يجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري فرانسوا رو
سياسة المعونة القضائية التي تنظّم التمثيل القانوني للمتهمين أمام المحكمة، الذين ليست لديهم موارد مالية تمكّنهم من تحمّل أتعاب الدفاع عنهم. وعندما يتسلّم
رئيس قلم المحكمة، هيرمان فون هابيل، طلب المعونة القانونية، يقرّر ما إذا كان لدى المتهم موارد مالية كافية، ويحسب المبلغ الذي يمكن أن يسهم فيه المتهم لقاء
تكاليف دفاعه. ولا يُطلب من المتهم أن يسهم في تكاليف دفاعه إلا في حال إدانته. ويتولّى رئيس مكتب الدفاع مسؤولية تعيين محامي الدفاع، الذي يمثّل المتهمين الذين
يحاكمون غيابياً. وأما فريق الدفاع الذي يمثّل المتهم الذي يحاكم غيابيًا، فيكون مثل أي فريق دفاع عن أي متهم آخر، من حيث تشكيله، ومن حيث الموارد الموضوعة
تحت تصرّفه. ويتألف فريق الدفاع من محامٍ رئيسي، ومحام معاون، ومحام مبتدئ، ومسؤول عن إدارة القضية، ومحقق، ومساعد لغوي. وتشمل هذه السياسة أيضًا نفقات الخبراء
والنفقات المتعلقة بتحقيقات الدفاع. يذكر أن ميزانية المعونة القضائية تمثّل بندًا من بنود الميزانية العامة للمحكمة، وتعتمدها لجنة الإدارة. وتُستَخدَم المساهمات
المقدّمة من لبنان ودول أخرى في تسديدها.

No comments:

Post a Comment