Sunday, September 11, 2011

"الجهاديون" إلى انحسار وحظوظ الدولة الإسلامية تتراجع لمصلحة... الديموقراطية

arab/p09-01-24503

arab/p09-02-24503

زعيم تنظيم "القاعدة" الراحل اسامة بن لادن. (عن الانترنت)
معتقلون وحراس في معتقل غوانتانامو بأفغانستان عام 2002. (أ ب)
قد يكون اسامة بن لادن يرقد باطمئنان في بحر العرب، هو الذي قال بعد هجمات 11 ايلول 2001 إنه لا يأبه اذا مات الان لانه  أنجز مهمته بعدما  نبه المسلمين حول
العالم "الى الظلم الذي يفرضه عليهم الغرب واسرائيل". الا أن هذا ليس بالضرورة حال "قاعدته" التي خسرته مؤسساً وزعيماً بعدما ارتبط اسمه بها طوال ربع قرن، والتي
أخفقت في اطاحة أي من الانظمة "المرتدة"، وقت يجتاح الساحات العربية التي كان التنظيم الاصولي يعتبرها "ملعبه" شباب أطاح أنظمته مطالباً لا بالخلافة الاسلامية
وإنما بالديموقراطية.

بعد عشر سنين من المطاردات الماراتونية وقع بن لادن في قبضة الاميركيين في عملية جريئة تتناقل وسائل الاعلام الاميركية صوراً لها هذه الايام، في محاولة لتضميد
جروح لم تندمل بعد من أحد أبشع الاعتداءات يتعرض لها البشر، ثم نثر الاميركيون  رماده في بحر العرب لئلا يتركوا اي أثر يخبر عنه أو يمكن أن يجعله محجة لاتباعه.
وبقتله، سجلت الادارة الاميركية "انتصاراً" على الارهاب الذي تجرأ عليها في عقر دارها وضرب رموز عظمتها بيد أن حجم هذا الانتصار ليس محسوماً بعد، فثمة من يعتبره
"نقطة تحول" فيما يقول آخرون إنه مجرد "حدث مهم" في  معركة مفتوحة بلا نهاية منظورة.

حجم "القاعدة"
عموماً، يبدو مستحيلاً اعطاء تقدير دقيق لحجم "القاعدة"، فهو تنظيم لامركزي، وتراوح التقديرات لعدد أعضائه  بين بضع مئات وبضعة آلاف، الا أن الاستخبارات الاميركية
لا تزال تحذر من أنه "لا يزال مع أتباعه وحلفائه عدوا خطراً  وحريصاً على مهاجمة أهداف أميركية وأوروبية".  
وفي الذكرى العاشرة لـ9 /11، خرج معلقون في الولايات المتحدة يتحدثون عن تضخيم المسؤولين الاميركيين قدرات "القاعدة" بعدما عاش أميركيون ومعهم كثيرون حول العالم 
في هاجس ان تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن ليست سوى البداية، وإن خلايا نائمة لـ"القاعدة" قد تكون مختبئة في مدن أميركية، فاستنفروا  تارة لنبأ تفجير جهاز
نووي في مرفأ، وطوراً لمغلفات الجمرة الخبيثة "الانتراكس" التي أرسلت الى جهات عدة.
طوال عقد، ساد اقتناع بأن العقد الاول من القرن الحادي والعشرين سيشهد جرائم قتل بدم بارد تودي بعشرات آلاف الاميركيين. وبهذا المعنى، شكلت تلك الهجمات انتصاراً
تكتيكياً ونفسياً لـ"القاعدة". ولكن في الواقع، تظهر الاحصاءات أن نحو 150 الف شخص قتلوا في الولايات المتحدة منذ 9\11، اي ما يعادل 14 الف شخص سنوياً، الا
أن اياً منهم لم يقضِ بيد "القاعدة"، وأن 14 منهم فحسب سقطوا على يد متحمسين للمنظمة الارهابية.
بالطبع، لم يمتهن تنظيم "القاعدة" العمل الخيري بعد هجمات نيويورك وواشنطن، فلائحة الاعتداءات ومحاولات الاعتداء الدموية التي تنسب اليه في الولايات المتحدة
وخارجها خلال العقد الاخير طويلة جداً، من محاولة تفجير طائرة تابعة لشركة "نورث وست" الاميركية كانت متجهة الى ديترويت عام 2009، ومحاولة الاغتيال الفاشلة
لرئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بنازير بوتو في تشرين الاول 2007، واغتيالها بعد ذلك بشهرين في عملية نسبت الى بيت الله محسود القائد في "طالبان" الباكستانية
القريبة من "القاعدة"، وتفجير منشأة بقيق النفطية السعودية الكبرى في العالم عام 2006، والهجمات على قطارات مدريد عام 2004 وتفجير ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض
عام 2003  والهجوم بسيارة مفخخة ومحاولة اسقاط طائرة اسرائيلية في مومباسا عام 2002 والهجوم على ناقلة نفط فرنسية قبالة شواطئ اليمن في السنة نفسها،اضافة الى
سلسلة تفجيرات باكستان في ربيع 2002 وتفجير صهريج وقود أمام كنيس في تونس في السنة نفسها، وغيرها  وغيرها من الهجمات التي نفذتها مباشرة أو بواسطة جماعات مناصرة
لها روعت العالم.
ولكن على رغم هذا السجل الدموي الذي تطول فيه لائحة مدنيين عزل قضوا في قطار أو أوتوبيس أو ملهى ليلي، لم ينجح التنظيم الاصولي تماماً في تكرار ضربته القاتلة
ضد الولايات المتحدة.

الإجراءات الأميركية وتراجع التعبئة
لا شك في أن الاجراءات التي اتخذتها اميركا في الداخل كما في الخارج، بما فيها قطع الموارد عن "القاعدة" واعتقال أو قتل عدد كبير من قادته، ساهمت في "تشذيب"
طموحاته وإحباط خطط جهنمية له قبل أن ينفذها، وإن لم تنجح في القضاء عليه تماماً.  
والى التضييق الكبير على التنظيم الاصولي، يلفت أستاذ علم الاجتماع في جامعة كارولينا الشمالية تشارلز كروزمان الى أن حجم التعبئة الارهابية تراجع منذ 9 /11.
وينسب الى مسؤولين أميركيين أنه خلال السنوات الخمس الاخيرة من نظام "طالبان" مر في مخيمات التدريب في أفغانستان عشرات الآلاف من  المجندين. ولكن بعد الحرب
الاميركية على أفغانستان، تراجعت كثيراً أعداد المعسكرات. وفي بيانات أخيرة قدر خبراء استخباراتيون أميركيون بأقل من الفي شخص عدد الذين تدربوا في المنطقة القبلية
في شمال غرب باكستان التي باتت تعد أكبر معسكرات الارهابيين.
وما ينطبق على أفغانستان يصح أيضاً في العراق حيث قطعت قبائل الانبار التي تخلت عن المتمردين عام 2006 الطريق أمام وصول مئات المقاتلين الاجانب للتدرب في العراق.

ومع بضع مئات من الناشطين لا يزالون يتدربون في مخيمات في اليمن والصومال، استناداً الى الارقام الاستخباراتية المعلنة، يعتقد أن جهاديي "القاعدة" حول العالم
لا يتجاوزون بضعة آلاف. ومع أن عدداً كهذا ليس قليلاً نظراً الى ما يمكن انتحاريا واحداً ملتزماً أن يقوم به، الا أنه بالتأكيد أقل بكثير مما كان  قبل عقد.

خسارة الحلم
من هذا المنطلق، يبدو أن هجمات 11 أيلول التي قد تكون من الناحية العملانية، نجحت بما يفوق تصور بن لادن نفسه، بعدما أودت بثلاثة آلاف شخص ودمرت برجي التجارة
العالمية، لم تحشد المسلمين وراءه في طريق الجهاد ونشر الاسلام في العالم كله.
وبخسارته أفغانستان والعراق، لم يخسر بن لادن موطئا له ولمعسكرات التدريب لجماعته فحسب، وإنما فقد القدرة على اقامة الدولة الاسلامية الموعودة. ففي رسالة موجهة
عام 2005 الى أبو مصعب الزرقاوي زعيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، الفرع العراقي لـ"القاعدة". شدد الرجل الثاني في التنظيم آنذاك  أيمن الظواهري على أن
النصر يأتي "عندما يتم تأسيس دولة اسلامية على طريقة النبي في قلب العالم الاسلامي... ويكون مركزها في الشرق ومصر".
لكن التكتيكات الطائفية والعنفية لـ"القاعدة" في العراق ألّبت الكثير من العراقيين ضد التنظيم، ونجحت سياسات أميركية أحياناً في شق صفوف التمرد، محبطة محاولة
جدية  لاقامة الدولة الاسلامية بعد محاولات فاشلة أخرى في الجزائر ومصر والسودان وأفغانستان.
بعد عشر سنين على هجمات 11 أيلول، لا يزال مجرد تحذير على صلة بـ"القاعدة"، سواء أكان كاذباً أم صحيحاً  يستنفر أميركا والعالم، وإن يكن التنظيم يواجه تحديات
كبيرة في صفوفه وخارجها.
فبخسارة أميره فقد تنظيم "القاعدة"الاتصالات الشخصية التي كانت لبن لادن في أفغانستان وباكستان ودول الخليج والتي وفرت له طويلاً الموارد والحماية. كما خسر
رمزاً إعلامياً بارزاً كانت اطلالة وحيدة له كفيلة بجذب ملايين المشاهدين حول العالم، سواء أكان اعجاباً بهذا الرجل أم خوفاً مما سيقول. وقبل كل شيء خسر التنظيم
قائده الاعلى. فالغارة التي شنها فريق كوماندوس أميركي على منزله في أبوت أباد الباكستانية أظهرت أنه لم يكن في السنوات الاخيرة مجرد زعيم صوري خلافاً لما رجح
محللون غربيون كثر.
والى ذلك، أظهرت الوثائق التي ضبطت في المنزل أن "القاعدة" خسر كثيراً من قدراته، وأن بن لادن ورجاله يشتكون من قلة المال والنزف المستمر في صفوف التنظيم نتيجة
الغارات بطائرات اميركية من دون طيار على باكستان. ولا شك في أن الوثائق والمعلومات التي ضبطت هناك كشفت كثيراً من أسرار "القاعدة" وهيكلية قيادتها العامة،
مما يعرض قيادييها لخطر أكبر.

الظواهري
صحيح أن التنظيم انتخب الظواهري لخلافة بن لادن، الا أن محللين لا يرون أن العملية الانتقالية ستكون سلسة بحجة أن بعض الحرس القديم لـ"القاعدة" لا يشعرون بالولاء
للزعيم المصري الاصل والذي يعتبرونه حديث العهد نوعاً ما في صفوفهم. ويتوقعون تحفظات كبيرة وخصوصاً من الاعضاء الخليجيين، في حال تعيينه مصرياً آخر نائباً له.
ولكن على رغم هذه الانقسامات المحتملة، يستبعد أن يواجه "القاعدة" انهياراً واسعاً في ظل قيادة الظواهري الذي أظهرته وثائق كشفت أخيراً أكثر اجتهاداً والتزاماً
مما ظُنَّ سابقاً. ففيما ساد اعتقاد قديم أن الطبيب المصري هو ثوري فاشل ربط عربته بنجم بن لادن ولم يضطلع بأي دور في التنظيم، أظهرت وثائق أنه، بالنسبة الى
بن لادن، هو أشبه بالشخصية الخرافية سفينغالي، اي العقل المدبر الشرير الذي دفع الملياردير السعودي الى حرب مع الولايات المتحدة.

الثورات العربية
في أي حال، تواجه القيادة الجديدة لـ"القاعدة" تحدياً كبيراً لهدفها الرئيسي وسبب وجودها. فبعد عقدين على اطلاق بن لادن حربه على كل رموز الكفر بدءا بالانظمة
العربية المرتدة عن الاسلام السلفي، يضج العالم العربي بالثورات التي يبدو لوهلة أنها تشكل فرصة نادرة للتنظيم الاصولي لبدء تأسيس الدولة الاسلامية. ولكن الساحات
العربية تحدت حتى اليوم أقله، هذه التوقعات، وخرج الشباب الى الشوارع بعد طول انتظار ليطيحوا نظاماً مستبداً تلو الآخر، مطالبين  بالديموقراطية والتعددية والحرية
لا بالدولة الاسلامية. ولا تبدو المحاولات الاخيرة للظواهري لاستمالة الاسلاميين في مصر وتونس ناجحة حتى الان. فمع أن بعض الاسلاميين في البلدين يدعمون نظرياً
"القاعدة"، يستعد كثيرون منهم، وخصوصاً "الاخوان المسلمين" لخوض الانتخابات المقبلة. وحتى السلفيون المصريون الذين يؤيدون  الظواهري سياسياً بدأوا يؤلفون أحزابهم.
في اختصار، لم يعد "القاعدة" في طليعة الحركات الاسلامية في العالم العربي، وخصوصاً بعدما بدأ شباب مسلم مسالم  يحقق الغايات نفسها بوسائل مختلفة، باستخدام
"تويتر" بدل القنابل و"فايسبوك" بدل السيارات المفخخة.
... كما مقتل بن لادن، تشكل الثورات العربية تحدياً لـ"القاعدة"، الا أن أياً من الامرين يؤذن بنهاية حتمية قريبة للتنظيم الاصولي. فالظواهري لم يضيع الوقت
منذ مقتل معلمه، موجهاً سلسلة من الرسائل الصوتية التي يعيد فيها تكييف عقيدة "القاعدة" مع الثورات العربية ومحاولاً تركيز سلطته على "الفروع" المختلفة للتنظيم.
وهو بالتأكيد يراقب من كثب الثورات التي تواجه قمعاً دموياً ولن يفوت بالطبع اية فرصة للتوغل فيها وايجاد موطئ قدم لـ"قاعدته".

No comments:

Post a Comment